للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمَّا أَرَادَ اللَّهُ مِنْ غَضِّ الْبَصَرِ وَحِفْظِ الْفَرْجِ أَكَّدَهُ بِالتَّكْرَارِ؛ وَخَصَّ النِّسَاءَ فِيهِ بِالذِّكْرِ عَلَى الرِّجَالِ.

[مَسْأَلَة النَّظَرَ إلَى مَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور: ٣١]

وَذَلِكَ حَرَامٌ؛ لِأَنَّ النَّظَرَ إلَى مَا لَا يَحِلُّ شَرْعًا يُسَمَّى زِنًا. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ: سَمِعْت رَسُولَ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - يَقُولُ: «إنَّ اللَّهَ إذَا كَتَبَ عَلَى ابْنِ آدَمَ حَظَّهُ مِنْ الزِّنَا أَدْرَكَ ذَلِكَ لَا مَحَالَةَ، فَالْعَيْنَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا النَّظَرُ، وَالْيَدَانِ تَزْنِيَانِ وَزِنَاهُمَا الْبَطْشُ؛ وَالرِّجْلَانِ تَزْنِيَانِ، وَزِنَاهُمَا الْمَشْيُ؛ وَالنَّفْسُ تَمَنَّى وَتَشْتَهِي؛ وَالْفَرْجُ يُصَدِّقُ ذَلِكَ أَوْ يُكَذِّبُهُ».

وَكَمَا لَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ أَنْ يَنْظُرَ إلَى الْمَرْأَةِ فَكَذَلِكَ لَا يَحِلُّ لِلْمَرْأَةِ أَنْ تَنْظُرَ إلَى الرَّجُلِ، فَإِنَّ عَلَاقَتَهُ بِهَا كَعَلَاقَتِهَا بِهِ، وَقَصْدُهُ مِنْهَا كَقَصْدِهَا مِنْهُ. وَقَدْ رَوَتْ «أُمُّ سَلَمَةَ قَالَتْ: كُنْت أَنَا وَعَائِشَةُ وَفِي رِوَايَةٍ وَمَيْمُونَةُ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَاسْتَأْذَنَ عَلَيْهِ ابْنُ أُمِّ مَكْتُومٍ، فَقَالَ لَنَا: احْتَجِبْنَ مِنْهُ؟ فَقُلْنَا: أَوَلَيْسَ أَعْمَى؟ فَقَالَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: أَفَعَمْيَاوَانِ أَنْتُمَا».

فَإِنْ قِيلَ: يُعَارِضُهُ مَا رُوِيَ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَتْ لَهُ فَاطِمَةُ بِنْتُ قَيْسٍ فِي شَأْنِ الْعِدَّةِ فِي بَيْتِ أُمِّ شَرِيكٍ، فَقَالَ لَهَا: تِلْكَ امْرَأَةٌ يَغْشَاهَا أَصْحَابِي، اعْتَدِّي فِي بَيْتِ ابْنِ أُمِّ مَكْتُومٍ فَإِنَّهُ رَجُلٌ أَعْمَى تَضَعِينَ ثِيَابَك عِنْدَهُ». قُلْنَا: قَدْ أَوْعَبْنَا الْقَوْلَ فِي هَذَا الْحَدِيثِ فِي الشَّرْحِ مِنْ جَمِيعِ وُجُوهِهِ، وَسَتَرَوْنَهُ فِي

<<  <  ج: ص:  >  >>