للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كِتَابَةً؛ لِأَنَّهَا تُكْتَبُ وَيُشْهَدُ عَلَيْهَا، فَقَدْ اسْتَوْثَقَ الِاسْمُ وَالْأَثَرُ وَعَضَّدَهُ الْمَعْنَى؛ فَإِنَّ الْمَالَ إنْ جَعَلَهُ حَالًّا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ عِنْدَ الْعَبْدِ، أَوْ لَا يَكُونَ عِنْدَهُ شَيْءٌ؛ فَإِنْ كَانَ عِنْدَهُ مَا قَطَعَهُ عَلَيْهِ فَهُوَ مَالُ مُقَاطَعَةٍ وَعَقْدُ مُقَاطَعَةٍ، لَا عَقْدُ كِتَابَةٍ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ عِنْدَ الْعَبْدِ مَالٌ لَمْ يَجُزْ أَنْ يَجْعَلَ مَا يُكَاتِبُهُ عَلَيْهِ حَالًّا؛ لِأَنَّهُ أَجَلٌ مَجْهُولٌ فَيَدْخُلُهُ الْغَرَرُ، وَتَقَعُ الْمُنَازَعَةُ عِنْدَ الْمُطَالَبَةِ؛ وَذَلِكَ مَنْهِيٌّ عَنْهُ شَرْعًا مِنْ جِهَةِ الْغَرَرِ، وَمِنْ جِهَةِ الدِّينِ، مَعَ مَا فِيهِ مِنْ مُخَالَفَةِ السُّنَّةِ. فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا جُعِلَ الْأَجَلُ رِفْقًا بِالْعَبْدِ؛ فَإِنْ شَاءَ أَنْ يَرْتَفِقَ وَإِلَّا تَرَكَ حَقَّهُ.

قُلْنَا: كُلُّ حَقٍّ هُوَ إسْقَاطٌ مَحْضٌ وَتَرْكٌ صِرْفٌ فَهُوَ جَائِزٌ، وَكُلُّ حَقٍّ يُتْرَكُ فِي عَقْدٍ يَعُودُ عَلَيْهِ بِالْغَرَرِ لَا يَجُوزُ إجْمَاعًا. وَقَدْ أَشْبَعْنَا الْقَوْلَ فِي كُتُبِ الْخِلَافِ فِي هَذِهِ الْمَسْأَلَةِ، فَمَنْ أَرَادَهُ فَلْيَنْظُرْهُ هُنَالِكَ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ]

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣]

فِيهِ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا: أَنَّهُ مَالُ الزَّكَاةِ؛ قَالَ إبْرَاهِيمُ، وَالْحَسَنُ، وَمَالِكٌ.

الثَّانِي: أَنَّهُ جُزْءٌ مِنْ مَالِ الْكِتَابَةِ؛ قَالَهُ عَلِيٌّ وَغَيْرُهُ، وَبِهِ قَالَ الشَّافِعِيُّ. وَقَدَّرَهُ عَلِيٌّ بِرُبُعِ الْكِتَابَةِ، وَقَدَّرَهُ غَيْرُهُ بِنَجْمٍ مِنْ نُجُومِهَا. وَرَأَى الشَّافِعِيُّ أَنَّهُ مَجْهُولٌ، وَأَنَّ ذَلِكَ مَوْقُوفٌ عَلَى اجْتِهَادِ الْحَاكِمِ بِحَسَبِ مَا يَرَاهُ فَإِنَّهُ يُنَفِّذُهُ فِي تَرِكَتِهِ، وَيَقْضِي بِهِ عَلَيْهِ. وَاحْتَجَّ بِمُطْلَقِ الْأَمْرِ فِي قَوْلِهِ: {وَآتُوهُمْ مِنْ مَالِ اللَّهِ الَّذِي آتَاكُمْ} [النور: ٣٣]، وَبِقَوْلِ عَلِيٍّ، وَرُوِيَ مِثْلُهُ عَنْ عُمَرَ، وَلَيْسَ لِلشَّافِعِيِّ فِي الْمَسْأَلَةِ عُمْدَةٌ، وَإِنَّمَا هِيَ لِعُلَمَائِنَا. وَقَدْ أَوْضَحْنَا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَلَوْ أَنَّ الشَّافِعِيَّ حِينَ قَالَ: إنَّ الْإِيتَاءَ وَاجِبٌ يَقُولُ: إنَّ الْكِتَابَةَ وَاجِبَةٌ لَكَانَ تَرْكِيبًا حَسَنًا، وَلَكِنَّهُ قَالَ: إنَّ الْكِتَابَةَ لَا تَلْزَمُ وَالْإِيتَاءُ يَجِبُ؛ فَجَعَلَ الْأَصْلَ غَيْرَ وَاجِبٍ، وَالْفَرْعَ وَاجِبًا؛ وَهَذَا لَا نَظِيرَ لَهُ؛ فَصَارَتْ دَعْوَى مَحْضَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>