للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَبَيْنَهُمْ فَأَبْقِنِي، وَإِنْ كُنْت تَعْلَمُ أَنَّهُ لَمْ يَبْقَ مِنْهَا شَيْءٌ فَاقْبِضْنِي إلَيْك. فَلَمَّا تُوُفِّيَ سَعْدٌ تَبَاشَرَ أَصْحَابُ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِذَلِكَ.

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: حَدَّثَنِي يَحْيَى بْنُ سَعِيدٍ: لَقَدْ نَزَلَ بِمَوْتِ سَعْدِ بْنِ مُعَاذٍ سَبْعُونَ أَلْفَ مَلَكٍ مَا نَزَلُوا الْأَرْضَ قَبْلَهَا.

وَقَالَ مَالِكٌ: قَوْلُهُ: {لَقَدْ كَانَ لَكُمْ فِي رَسُولِ اللَّهِ أُسْوَةٌ حَسَنَةٌ} [الأحزاب: ٢١] يَعْنِي فِي رُجُوعِهِ مِنْ الْخَنْدَقِ.

وَقَالَ ابْنُ وَهْبٍ عَنْهُ: «كَانَتْ وَقْعَةُ الْخَنْدَقِ فِي بَرْدٍ شَدِيدٍ، وَمَا صَلَّى رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الظُّهْرَ وَالْعَصْرَ يَوْمَ الْخَنْدَقِ إلَى حِينِ غَابَتْ الشَّمْسُ».

وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْهُ: لَمَّا انْصَرَفَ عَنْ الْخَنْدَقِ وَضَعَ السِّلَاحَ وَلَا أَدْرِي اغْتَسَلَ أَمْ لَا، فَأَتَاهُ جِبْرِيلُ فَقَالَ: يَا مُحَمَّدُ؛ أَتَضَعُونَ اللَّأْمَةَ قَبْلَ أَنْ تَخْرُجُوا إلَى قُرَيْظَةَ؛ لَا تَضَعُوا السِّلَاحَ حَتَّى تَخْرُجُوا إلَى بَنِي قُرَيْظَةَ. فَصَاحَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «أَلَّا يُصَلِّيَ أَحَدٌ صَلَاةَ الْعَصْرِ إلَّا فِي بَنِي قُرَيْظَةَ».

فَصَلَّى بَعْضُ النَّاسِ لِفَوَاتِ الْوَقْتِ، وَلَمْ يُصَلِّ بَعْضٌ، حَتَّى لَحِقُوا بَنِي قُرَيْظَةَ؛ اتِّبَاعًا لِقَوْلِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -.

فَهَذِهِ الْآيَاتُ التِّسْعَ عَشْرَةَ نَزَلْنَ فِي شَأْنِ الْأَحْزَابِ بِمَا انْدَرَجَ فِيهَا مِنْ الْأَحْكَامِ مِمَّا قَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَوْضِعِهِ، وَشَرَحْنَاهُ عِنْدَ وُرُودِهِ، فَلَمْ يَكُنْ لِتَكْرَارِهِ مَعْنًى، وَمَا خَرَجَ عَنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ فَهُوَ مِنْ الْحَدِيثِ يُشْرَحُ فِي مَوْضِعِهِ.

[قَوْلُهُ تَعَالَى إنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ]

وَقَدْ بَقِيَتْ آيَةٌ وَاحِدَةٌ، وَهِيَ تَتِمَّةُ عِشْرِينَ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْأَحْزَابِ وَهِيَ قَوْلُهُ: {وَإِذَا كَانُوا مَعَهُ عَلَى أَمْرٍ جَامِعٍ لَمْ يَذْهَبُوا حَتَّى يَسْتَأْذِنُوهُ} [النور: ٦٢]. وَقَدْ بَيَّنَّاهَا هُنَالِكَ.

وَاَلَّذِي أَخْبَرَ اللَّهُ عَنْهُ بِالِاسْتِئْذَانِ وَقَوْلُهُ: {إِنَّ بُيُوتَنَا عَوْرَةٌ} [الأحزاب: ١٣]، أَوْسُ بْنُ قَيْظِيٍّ. وَاَلَّذِينَ {عَاهَدُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ لا يُوَلُّونَ الأَدْبَارَ} [الأحزاب: ١٥]: هُمْ بَنُو حَارِثَةَ، وَبَنُو سَلَمَةَ، عَلَى مَا جَرَى عَلَيْهِمْ فِي أُحُدٍ، وَنَدِمُوا، ثُمَّ عَادُوا فِي الْخَنْدَقِ. وَقَدْ

<<  <  ج: ص:  >  >>