للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

نَذْرِ تَقَرُّبٍ مُبْتَدَأً؛ كَقَوْلِهِ: لِلَّهِ عَلَيَّ صَوْمٌ وَصَلَاةٌ وَصَدَقَةٌ، وَنَحْوُهُ مِنْ الْقُرَبِ؛ فَهَذَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ إجْمَاعًا.

وَنَذْرِ مُبَاحٍ؛ وَهُوَ مَا عُلِّقَ بِشَرْطِ رَغْبَةٍ [كَقَوْلِهِ: إنْ قَدِمَ غَائِبِي فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ، أَوْ عُلِّقَ بِشَرْطِ رَهْبَةٍ]، كَقَوْلِهِ: إنْ كَفَانِي اللَّهُ شَرَّ كَذَا فَعَلَيَّ صَدَقَةٌ، فَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ؛ فَقَالَ مَالِكٌ وَأَبُو حَنِيفَةَ: يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ. وَقَالَ الشَّافِعِيُّ فِي أَحَدِ أَقْوَالِهِ: إنَّهُ لَا يَلْزَمُهُ الْوَفَاءُ بِهِ.

وَعُمُومُ الْآيَةِ حُجَّةٌ لَنَا؛ لِأَنَّهَا بِمُطْلَقِهَا تَتَضَمَّنُ ذَمَّ مَنْ قَالَ مَا لَا يَفْعَلُهُ عَلَى أَيِّ وَجْهٍ كَانَ، مِنْ مُطْلَقٍ، أَوْ مُقَيَّدٍ بِشَرْطٍ.

وَقَدْ قَالَ أَصْحَابُهُ: إنَّ النَّذْرَ إنَّمَا يَكُونُ بِمَا الْقَصْدُ مِنْهُ الْقُرْبَةُ مِمَّا هُوَ مِنْ جِنْسِ الْقُرْبَةِ.

وَهَذَا وَإِنْ كَانَ مِنْ جِنْسِ الْقُرْبَةِ، لَكِنَّهُ لَمْ يَقْصِدْ بِهِ الْقُرْبَةَ، وَإِنَّمَا قَصَدَ مَنْعَ نَفْسِهِ عَنْ فِعْلٍ أَوْ الْإِقْدَامِ عَلَى فِعْلٍ.

قُلْنَا: الْقُرَبُ الشَّرْعِيَّةُ مُقْتَضَيَاتٌ وَكُلَفٌ وَإِنْ كَانَتْ قُرُبَاتٍ. وَهَذَا تَكَلَّفَ فِي الْتِزَامِ هَذِهِ الْقُرْبَةِ مَشَقَّةً لِجَلْبِ نَفْعٍ أَوْ دَفْعِ ضُرٍّ، فَلَمْ يَخْرُجْ عَنْ سُنَنِ التَّكْلِيفِ، وَلَا زَالَ عَنْ قَصْدِ التَّقَرُّبِ.

[مَسْأَلَة كَانَ الْوَعْد مَقُولًا مِنْهُ هَلْ يَلْزَمهُ الوفاء]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ فَإِنْ كَانَ الْمَقُولُ مِنْهُ وَعْدًا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَنُوطًا بِسَبَبٍ؛ كَقَوْلِهِ: إنْ تَزَوَّجْتَ أَعَنْتُك بِدِينَارٍ، أَوْ ابْتَعْت حَاجَةَ كَذَا أَعْطَيْتُك كَذَا؛ فَهَذَا لَازِمٌ إجْمَاعًا مِنْ الْفُقَهَاءِ.

وَإِنْ كَانَ وَعْدًا مُجَرَّدًا فَقِيلَ: يَلْزَمُ بِمُطْلَقِهِ؛ وَتَعَلَّقُوا بِسَبَبِ الْآيَةِ فَإِنَّهُ رُوِيَ أَنَّهُمْ كَانُوا يَقُولُونَ: لَوْ نَعْلَمُ أَيَّ الْأَعْمَالِ أَفْضَلَ أَوْ أَحَبَّ إلَى اللَّهِ لَعَمِلْنَاهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الْآيَةَ.

وَهُوَ حَدِيثٌ لَا بَأْسَ بِهِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>