للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: لَا يُفْسَخُ بِكُلِّ حَالٍ. وَأَبُو حَنِيفَةَ يَقُولُ بِالْفَسْخِ فِي تَفْصِيلٍ قَرِيبٍ مِنْ الْمَالِكِيَّةِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا تَوْجِيهَ ذَلِكَ فِي الْفِقْهِ، وَحَقَّقْنَا أَنَّ الصَّحِيحَ فَسْخُهُ بِكُلِّ حَالٍ؛ لِقَوْلِهِ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - فِي الصَّحِيحِ: «مَنْ عَمِلَ عَمَلًا لَيْسَ عَلَيْهِ أَمْرُنَا فَهُوَ رَدٌّ.» الْمَسْأَلَةُ الْعَاشِرَةُ فَإِنْ كَانَ نِكَاحًا فَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: لَا يُفْسَخُ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: لِأَنَّهُ نَادِرٌ، وَيَقْرُبُ هَذَا مِنْ قَوْلُ ابْنِ الْمَاجِشُونِ: يُفْسَخُ بَيْعُ مَنْ جَرَتْ عَادَتُهُ بِالْبَيْعِ. وَقَالُوا: إنَّ الشَّرِكَةَ وَالْهِبَةَ وَالصَّدَقَةَ نَادِرٌ لَا يُفْسَخُ.

وَالصَّحِيحُ فَسْخُ الْجَمِيعِ؛ لِأَنَّ الْبَيْعَ إنَّمَا مُنِعَ لِلِاشْتِغَالِ بِهِ، فَكُلُّ أَمْرٍ يَشْغَلُ عَنْ الْجُمُعَةِ مِنْ الْعُقُودِ كُلِّهَا فَهُوَ حَرَامٌ شَرْعًا مَفْسُوخٌ رَدْعًا.

[مَسْأَلَة هَلْ تُفْتَقَرُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ إلَى سُلْطَانٍ]

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ لَا تُفْتَقَرُ إقَامَةُ الْجُمُعَةِ إلَى السُّلْطَانِ، خِلَافًا لِأَبِي حَنِيفَةَ، وَإِنَّمَا تُفْتَقَرُ إلَى الْإِمَامِ، وَعَلَيْهِ تَدُلُّ الْآيَةُ لَا عَلَى السُّلْطَانِ. وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

[مَسْأَلَة الْجُمُعَةِ عَلَى الْقَرِيبِ الَّذِي يَسْمَعُ النِّدَاءَ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةَ عَشْرَةَ قَوْله تَعَالَى: {إِذَا نُودِيَ لِلصَّلاةِ} [الجمعة: ٩] يَخْتَصُّ بِوُجُوبِ الْجُمُعَةِ عَلَى الْقَرِيبِ الَّذِي يَسْمَعُ النِّدَاءَ؛ فَأَمَّا الْبَعِيدُ الدَّارِ الَّذِي لَا يَسْمَعُ النِّدَاءَ فَلَا يَدْخُلُ تَحْتَ الْخِطَابِ.

وَاخْتَلَفَ النَّاسُ فِيمَنْ يَأْتِي الْجُمُعَةَ مِنْ الدَّانِي وَالْقَاصِي اخْتِلَافًا مُتَبَايِنًا بَيَّنَّاهُ فِي الْمَسَائِلِ وَغَيْرِهَا مِنْ الْخِلَافِيَّاتِ.

وَجُمْلَةُ الْقَوْلِ فِيهِ أَنَّ الْمُحَقِّقِينَ مِنْ عُلَمَائِنَا قَالُوا: إنَّ الْجُمُعَةَ تَلْزَمُ مَنْ كَانَ عَلَى ثَلَاثَةِ أَمْيَالٍ مِنْ الْمَدِينَةِ، لِوَجْهَيْنِ:

<<  <  ج: ص:  >  >>