للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا} [الإسراء: ٧٨] وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّهُ عَنْ الصَّلَاةِ أَخْبَرَ، وَإِلَيْهَا رَجَعَ الْقَوْلُ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ قَوْلُهُ: {عَلِمَ أَنْ سَيَكُونُ مِنْكُمْ مَرْضَى وَآخَرُونَ يَضْرِبُونَ فِي الأَرْضِ يَبْتَغُونَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ وَآخَرُونَ يُقَاتِلُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ} [المزمل: ٢٠]: بَيَّنَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ عِلَّةَ التَّخْفِيفِ بِأَنَّ الْخَلْقَ مِنْهُمْ الْمَرِيضُ، وَمِنْهُمْ الْمُسَافِرُ فِي طَلَبِ الرِّزْقِ، وَمِنْهُمْ الْغَازِي، وَهَؤُلَاءِ يَشُقُّ عَلَيْهِمْ الْقِيَامُ؛ فَخَفَّفَ اللَّهُ عَنْ الْكُلِّ لِأَجْلِ هَؤُلَاءِ. وَقَدْ بَيَّنَّا حِكْمَةَ الشَّرِيعَةِ فِي أَمْثَالِ هَذَا الْمَقْصِدِ.

[مَسْأَلَة فَرْضَ قِيَامِ اللَّيْلِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ قَوْلُهُ: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنْهُ} [المزمل: ٢٠]: مَعْنَاهُ صَلُّوا مَا أَمْكَنَ؛ وَلَمْ يُفَسِّرْهُ. وَلِهَذَا قَالَ قَوْمٌ: إنَّ فَرْضَ قِيَامِ اللَّيْلِ بَقِيَ فِي رَكْعَتَيْنِ مِنْ هَذِهِ الْآيَةِ؛ قَالَهُ الْبُخَارِيُّ، وَغَيْرُهُ، وَعَقَدَ بَابَ: «يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ الرَّأْسِ إذَا لَمْ يُصَلِّ بِاللَّيْلِ» وَذَكَرَ فِي حَدِيثٍ آخَرَ: «يَعْقِدُ قَافِيَةَ رَأْسِ أَحَدِكُمْ ثَلَاثَ عُقَدٍ يَضْرِبُ مَكَانَ كُلِّ عُقْدَةٍ عَلَيْك لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ. فَإِنْ اسْتَيْقَظَ فَذَكَرَ اللَّهَ تَعَالَى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ تَوَضَّأَ انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ، فَإِنْ صَلَّى انْحَلَّتْ عُقْدَةٌ؛ فَأَصْبَحَ نَشِيطًا طَيِّبَ النَّفْسِ؛ وَإِلَّا أَصْبَحَ خَبِيثَ النَّفْسِ كَسْلَانَ».

وَذَكَرَ حَدِيثَ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدُبٍ، «عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الرُّؤْيَا: قَالَ: أَمَّا الَّذِي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالْحَجَرِ، فَإِنَّهُ الَّذِي يَأْخُذُ الْقُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنْ الصَّلَاةِ الْمَكْتُوبَةِ»، وَحَدِيثَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ قَالَ: «ذُكِرَ عِنْدَ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَجُلٌ نَامَ اللَّيْلَ إلَى الصَّبَاحِ؛ فَقَالَ: ذَاكَ رَجُلٌ بَالَ الشَّيْطَانُ فِي أُذُنِهِ».

وَهَذِهِ كُلُّهَا أَحَادِيثُ مُقْتَضِيَةٌ حَمْلَ مُطْلَقِ الصَّلَاةِ عَلَى الْمَكْتُوبَةِ، فَيُحْمَلُ الْمُطْلَقُ عَلَى الْمُقَيَّدِ، لِاحْتِمَالِهِ لَهُ، وَتَسْقُطُ الدَّعْوَى مِمَّنْ عَيَّنَهُ لِقِيَامِ اللَّيْلِ.

وَفِي الصَّحِيحِ وَاللَّفْظُ لِلْبُخَارِيِّ: «قَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ عُمَرَ: قَالَ لِي رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

يَا عَبْدَ اللَّهِ، لَا تَكُنْ مِثْلَ فُلَانٍ؛ كَانَ يَقُومُ اللَّيْلَ فَتَرَكَ قِيَامَ اللَّيْلِ». وَلَوْ كَانَ فَرْضًا مَا أَقَرَّهُ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَلَا أَخْبَرَ بِمِثْلِ هَذَا الْخَبَرِ عَنْهُ، بَلْ كَانَ يَذُمُّهُ غَايَةَ الذَّمِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>