للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الْآيَةُ الثَّالِثَة قَوْله تَعَالَى الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ]

ِ} [العلق: ٤]: فِيهَا خَمْسُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى الْأَقْلَامُ فِي الْأَصْلِ ثَلَاثَةٌ: الْقَلَمُ الْأَوَّلُ كَمَا ثَبَتَ فِي الْحَدِيثِ: «أَوَّلُ مَا خَلَقَ اللَّهُ الْقَلَمُ، فَقَالَ لَهُ: اُكْتُبْ، فَكَتَبَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ إلَى يَوْمِ السَّاعَةِ، فَهُوَ عِنْدَهُ فِي الذِّكْرِ فَوْقَ عَرْشِهِ».

الْقَلَمُ الثَّانِي: مَا جَعَلَ اللَّهُ بِأَيْدِي الْمَلَائِكَةِ يَكْتُبُونَ بِهِ الْمَقَادِيرَ وَالْكَوَائِنَ وَالْأَعْمَالَ، وَذَلِكَ قَوْله تَعَالَى: {كِرَامًا كَاتِبِينَ} [الانفطار: ١١] {يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ} [الانفطار: ١٢] خَلَقَ اللَّهُ لَهُمْ الْأَقْلَامَ، وَعَلَّمَهُمْ الْكِتَابَ بِهَا.

الْقَلَمُ الثَّالِثُ أَقْلَامُ النَّاسِ، جَعَلَهَا اللَّهُ تَعَالَى بِأَيْدِيهِمْ يَكْتُبُونَ بِهَا كَلَامَهُمْ، وَيَصِلُونَ بِهَا إلَى مَآرِبِهِمْ، وَاَللَّهُ أَخْرَجَ الْخَلْقَ مِنْ بُطُونِ أُمَّهَاتِهِمْ لَا يَعْلَمُونَ شَيْئًا، وَخَلَقَ لَهُمْ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالنُّطْقَ حَسْبَمَا بَيَّنَّاهُ فِي كِتَابِ قَانُونِ التَّأْوِيلِ، ثُمَّ رَزَقَهُمْ مَعْرِفَةَ الْعِبَادَةِ بِاللِّسَانِ عَلَى ثَمَانِيَةٍ وَعِشْرِينَ [وَجْهًا، وَقِيلَ] حَرْفًا يَضْطَرِبُ بِهَا اللِّسَانُ بَيْنَ الْحَنَكِ وَالْأَسْنَانِ فَيَتَقَطَّعُ الصَّوْتُ تَقْطِيعًا يَثْبُتُ عَنْهُ مُقَطَّعَاتُهُ عَلَى نِظَامٍ مُتَّسِقٍ قُرِنَتْ بِهِ مَعَارِفُ فِي أَفْرَادِهَا وَفِي تَأْلِيفِهَا، وَأَلْقَى إلَى الْعَبْدِ مَعْرِفَةَ أَدَائِهَا، فَذَلِكَ قَوْلُهُ: {وَعَلَّمَكَ مَا لَمْ تَكُنْ تَعْلَمُ} [النساء: ١١٣].

ثُمَّ خَلَقَ اللَّهُ الْيَدَ وَالْقُدْرَةَ، وَرَزَقَهُ الْعِلْمَ [وَالرُّتْبَةَ]، وَصَوَّرَ لَهُ حُرُوفًا تُعَادِلُ لَهُ الصُّوَرَ الْمَحْسُوسَةَ فِي إظْهَارِ الْمَعْنَى الْمَنْقُولِ فِي النُّطْقِ، فَيُقَابِلُ هَذَا مَكْتُوبًا ذَلِكَ الْمَلْفُوظَ، وَيُقَابِلُ الْمَلْفُوظُ مَا تَرَتَّبَ فِي الْقَلْبِ، وَيَكُونُ الْكُلُّ سَوَاءً، وَيَحْصُلُ بِهِ الْعِلْمُ، {هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ} [لقمان: ١١].

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ جَعَلَ اللَّهُ هَذَا كُلَّهُ مُرَتَّبًا لِلْخَلْقِ، وَنِظَامًا لِلْآدَمِيِّينَ، وَيَسَّرَهُ فِيهِمْ؛ فَكَانَ أَقَلَّ الْخَلْقِ

<<  <  ج: ص:  >  >>