للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: فَهَذِهِ شَهَادَةٌ بِالْأُجْرَةِ. قُلْنَا: إنَّمَا هِيَ شَهَادَةٌ خَالِصَةٌ مِنْ قَوْمٍ اسْتَوْفَوْا حُقُوقَهُمْ مِنْ بَيْتِ الْمَالِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ وَمَسَائِلِ الْخِلَافِ.

[مَسْأَلَةٌ الشَّاهِدَ هُوَ الَّذِي يَمْشِي إلَى الْحَاكِمِ]

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: قَوْله تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] دَلِيلٌ عَلَى أَنَّ الشَّاهِدَ هُوَ الَّذِي يَمْشِي إلَى الْحَاكِمِ، وَهَذَا أَمْرٌ انْبَنَى عَلَيْهِ الشَّرْعُ، وَعُمِلَ بِهِ فِي كُلِّ زَمَنٍ، وَفَهِمَتْهُ كُلُّ أُمَّةٍ، وَمِنْ أَمْثَالِ الْعَرَبِ: " فِي بَيْتِهِ يُؤْتَى الْحَكَمُ ".

[مَسْأَلَةٌ خُرُوجِ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ]

الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ ثَلَاثِينَ: كَيْفَمَا تَرَدَّدَتْ الْحَالُ بِالْأَقْوَالِ فَهَذَا دَلِيلٌ عَلَى خُرُوجِ الْعَبْدِ مِنْ جُمْلَةِ الشُّهَدَاءِ؛ لِأَنَّهُ لَا يُمْكِنُهُ أَنْ يُجِيبَ، وَلَا يَصِحُّ لَهُ أَنْ يَأْبَى؛ لِأَنَّهُ لَا اسْتِقْلَالَ لَهُ بِنَفْسِهِ؛ وَإِنَّمَا يَتَصَرَّفُ بِإِذْنِ غَيْرِهِ، فَانْحَطَّ عَنْ مَنْصِبِ الشَّهَادَةِ كَمَا انْحَطَّ عَنْ مَنْصِبِ الْوِلَايَةِ، نَعَمْ وَكَمَا انْحَطَّ عَنْهُ فَرْضُ الْجُمُعَةِ، وَقَدْ بَيَّنَّاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

[مَسْأَلَةٌ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا مُسْتَحِقُّهَا]

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةُ وَالثَّلَاثُونَ: قَالَ عُلَمَاؤُنَا: هَذَا فِي حَالَةِ الدُّعَاءِ إلَى الشَّهَادَةِ، فَأَمَّا مَنْ كَانَتْ عِنْدَهُ شَهَادَةٌ لِرَجُلٍ لَمْ يَعْلَمْ بِهَا مُسْتَحِقُّهَا الَّذِي يَنْتَفِعُ بِهَا فَقَالَ قَوْمٌ: أَدَاؤُهَا نَدْبٌ؛ لِقَوْلِهِ تَعَالَى: {وَلا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا} [البقرة: ٢٨٢] فَفَرَضَ اللَّهُ تَعَالَى عَلَيْهِ الْأَدَاءَ عِنْدَ الدُّعَاءِ، وَإِذَا لَمْ يُدْعَ كَانَ نَدْبًا؛ لِقَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «خَيْرُ الشُّهُودِ الَّذِي يَأْتِي بِشَهَادَتِهِ قَبْلَ أَنْ يُسْأَلَهَا».

وَالصَّحِيحُ عِنْدِي أَنَّ أَدَاءَهَا فَرْضٌ؛ لِمَا ثَبَتَ عَنْهُ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - أَنَّهُ قَالَ: «اُنْصُرْ أَخَاك ظَالِمًا أَوْ مَظْلُومًا».

فَقَدْ تَعَيَّنَ نَصْرُهُ بِأَدَاءِ الشَّهَادَةِ الَّتِي هِيَ عِنْدَهُ؛ إحْيَاءً لِحَقِّهِ الَّذِي أَمَاتَهُ الْإِنْكَارُ.

<<  <  ج: ص:  >  >>