للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَكَذَلِكَ مَا رُوِيَ فِي الْحَدِيثِ مِنْ «أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - رَأَى قَوْمًا تُقْرَضُ شِفَاهُهُمْ بِمَقَارِيضَ مِنْ نَارٍ، فَقِيلَ لَهُ: هُمْ الَّذِينَ يَنْهَوْنَ عَنْ الْمُنْكَرِ وَيَأْتُونَهُ، إنَّمَا عُوقِبُوا عَلَى إتْيَانِهِمْ». وَلَا شَكَّ فِي أَنَّ النَّهْيَ عَنْهُ مِمَّنْ يَأْتِيه أَقْبَحُ مِمَّنْ لَا يَأْتِيه عِنْدَ فَاعِلِهِ فَيَبْعُدُ قَبُولُهُ مِنْهُ.

وَأَمَّا الْقُدْرَةُ فَهِيَ أَصْلٌ، وَتَكُونُ مِنْهُ فِي النَّفْسِ وَتَكُونُ فِي الْبَدَنِ إنْ احْتَاجَ إلَى النَّهْيِ عَنْهُ بِيَدِهِ، فَإِنْ خَافَ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ تَغْيِيرِهِ الضَّرْبَ أَوْ الْقَتْلَ، فَإِنْ رَجَا زَوَالَهُ جَازَ عِنْدَ أَكْثَرِ الْعُلَمَاءِ الِاقْتِحَامُ عِنْدَ هَذَا الْغَرَرِ، وَإِنْ لَمْ يَرْجُ زَوَالَهُ فَأَيُّ فَائِدَةٍ فِيهِ؟ وَاَلَّذِي عِنْدَهُ: أَنَّ النِّيَّةَ إذَا خَلَصَتْ فَلْيَقْتَحِمْ كَيْفَمَا كَانَ وَلَا يُبَالِي.

فَإِنْ قِيلَ: هَذَا إلْقَاءٌ بِيَدِهِ إلَى التَّهْلُكَةِ. قُلْنَا: قَدْ بَيَّنَّا مَعْنَى الْآيَةِ فِي مَوْضِعِهَا، وَتَمَامُهَا فِي شَرْحِ الْمُشْكِلَيْنِ، وَاَللَّهُ أَعْلَمُ. فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَسْتَوِي فِي ذَلِكَ الْمُنْكَرُ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ اللَّه تَعَالَى مَعَ الَّذِي يَتَعَلَّقُ بِهِ حَقُّ الْآدَمِيِّ؟ قُلْنَا: لَمْ نَرَ لِعُلَمَائِنَا فِي ذَلِكَ نَصًّا. وَعِنْدِي أَنَّ تَخْلِيصَ الْآدَمِيِّ أَوْجَبُ مِنْ تَخْلِيصِ حَقِّ اللَّهِ تَعَالَى؛ وَذَلِكَ مُمَهَّدٌ فِي مَوْضِعِهِ. .

[الْآيَة الثَّانِيَةُ قَوْله تَعَالَى أَلَمْ تَرَ إلَى الَّذِينَ أُوتُوا نَصِيبًا مِنْ الْكِتَابِ]

ِ يُدْعَوْنَ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ لِيَحْكُمَ بَيْنَهُمْ ثُمَّ يَتَوَلَّى فَرِيقٌ مِنْهُمْ وَهُمْ مُعْرِضُونَ} [آل عمران: ٢٣] قَالَ عُلَمَاؤُنَا: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى وُجُوبِ ارْتِفَاعِ الْمَدْعُوِّ إلَى الْحَاكِمِ؛ لِأَنَّهُ دُعِيَ إلَى كِتَابِ اللَّهِ، فَإِنْ لَمْ يَفْعَلْ كَانَ مُخَالِفًا يَتَعَيَّنُ عَلَيْهِ الزَّجْرُ بِالْأَدَبِ عَلَى قَدْرِ الْمُخَالِفِ وَالْمُخَالَفِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>