للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مَنْفَعَةَ التَّعْلِيمِ لِلْعِلْمِ كُلِّهِ مَالٌ، وَفِي جَوَازِ كَوْنِهِ صَادِقًا كَلَامٌ يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَةِ الْقَصَصِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَأَمَّا عِتْقُ الْأَمَةِ فَلَيْسَ بِمَالٍ. وَقَالَ أَحْمَدُ بْنُ حَنْبَلٍ: هُوَ مَالٌ يَجُوزُ النِّكَاحُ بِمِثْلِهِ، لِأَنَّ «النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - جَعَلَهُ صَدَاقًا فِي نِكَاحِهِ لِصَفِيَّةَ بِنْتِ حُيَيِّ بْنِ أَخْطَبَ فَإِنَّهُ أَعْتَقَهَا بِتَزَوُّجِهَا وَجَعَلَ عِتْقَهَا صَدَاقَهَا»، رَوَاهُ أَنَسٌ فِي الصَّحِيحِ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: كَانَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - مَخْصُوصًا فِي النِّكَاحِ وَغَيْرِهِ بِخَصَائِصَ، وَمِنْ جُمْلَتِهَا أَنَّهُ كَانَ يَنْكِحُ بِغَيْرِ وَلِيٍّ وَلَا صَدَاقٍ، فَإِنَّهُ كَانَ أَوْلَى بِالْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ، وَقَدْ أَرَادَ زَيْنَبَ فَحُرِّمَتْ عَلَى زَيْدٍ، فَلَا يَجُوزُ أَنْ يُسْتَدَلَّ بِمِثْلِ هَذَا. وَقَدْ حَقَّقْنَا خَصَائِصَهُ فِي سُورَةِ الْأَحْزَابِ، وَقَدْ عَضَّدَ ذَلِكَ عُلَمَاؤُنَا بِأَنْ قَالُوا: إنَّ قَوْلَهُ: {فَإِنْ طِبْنَ لَكُمْ عَنْ شَيْءٍ مِنْهُ نَفْسًا فَكُلُوهُ هَنِيئًا مَرِيئًا} [النساء: ٤]؛ وَذَلِكَ لَا يُتَصَوَّرُ فِي الْعِتْقِ، وَقَدْ مَهَّدْنَاهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ.

[مسالة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى مُحْصِنِينَ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {مُحْصِنِينَ} [النساء: ٢٤]: قَالَ بَعْضُ الْغَافِلِينَ: إنَّ قَوْلَهُ: {مُحْصِنِينَ} [النساء: ٢٤] يَجُوزُ أَنْ يَكُونَ حَالًا مِنْ النِّسَاءِ، كَأَنَّهُ يُرِيدُ ابْتَغُوهُنَّ غَيْرَ زَانِيَاتٍ، وَلَوْ أَرَادَ كَوْنَهَا حَالًا لِلنِّسَاءِ لَقَالَ: مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ كَمَا فِي الْآيَةِ بَعْدَهَا؛ وَإِنَّمَا الْمُرَادُ بِقَوْلِهِ: {مُحْصِنِينَ} [النساء: ٢٤] حَثُّ الرِّجَالِ عَلَى حَظِّهِمْ الْمَحْمُودِ فِيمَا أُبِيحَ لَهُمْ مِنْ الْإِحْصَانِ دُونَ السِّفَاحِ؛ قِيلَ لَهُمْ: ابْتَغُوا بِأَمْوَالِكُمْ نِكَاحًا لَا سِفَاحًا، وَالسِّفَاحُ اسْمُ الزِّنَا.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {غَيْرَ مُسَافِحِينَ} [النساء: ٢٤]: يَعْنِي غَيْرَ زَانِينَ، وَالسِّفَاحُ اسْمٌ لِلزِّنَا، سُمِّيَ بِهِ لِأَنَّهُ يَسْفَحُ الْمَاءَ أَيْ يَصُبَّهُ، وَالسَّفْحُ الصَّبُّ، وَالنِّكَاحُ سِفَاحٌ اشْتِقَاقًا؛ لِأَنَّ فِي كُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا الْجَمْعُ وَالضَّمُّ، وَصَبُّ الْمَاءِ؛ وَلَكِنَّ الشَّرِيعَةَ وَاللُّغَةَ خَصَّصَتْ كُلَّ وَاحِدٍ بِاسْمٍ مِنْ مَعْنَى مُطْلَقِهِ؛ لِلتَّعْرِيفِ بِهِ عَلَى عَادَتِهَا فِيمَا تُطْلِقُهُ مِنْ بَعْضِ أَلْفَاظِهَا عَلَى الْمَعَانِي الْمُشْتَرَكَةِ فِيهَا.

<<  <  ج: ص:  >  >>