للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: هَذَا يَدُلُّ عَلَى وُجُوبِ الْمَهْرِ لِلْأَمَةِ، وَقَدْ أَنْكَرَ ذَلِكَ الشَّافِعِيُّ وَقَالَ: إنَّهُ عِوَضُ مَنْفَعَةٍ لَا يَكُونُ لِلْأَمَةِ، أَصْلُهُ إجَازَةُ الْمَنْفَعَةِ فِي الرَّقَبَةِ. وَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: إنَّ السَّيِّدَ إذَا زَوَّجَ أَمَتَهُ فَقَدْ مَلَكَ مِنْهَا مَا لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ؛ لِأَنَّ السَّيِّدَ لَمْ يَكُنْ يَمْلِكُ غَشَيَانِهَا بِالتَّزْوِيجِ، وَإِنَّمَا كَانَ يَمْلِكُهُ بِمِلْكِ الْيَمِينِ، فَهَذَا الْعَقْدُ لَهَا لَا لَهُ، فَعِوَضَهُ لَهَا بِخِلَافِ مَنَافِعِ الرَّقَبَةِ فَإِنَّهَا وَالْعَقْدُ عَلَيْهَا لِلسَّيِّدِ، وَهَذَا ظَاهِرٌ لَا يَفْتَقِرُ إلَى إطْنَابٍ.

[مَسْأَلَة مَا يَعْنِي بِالْمَعْرُوفِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: مَا يَعْنِي بِالْمَعْرُوفِ؟ يَعْنِي الْوَاجِبَ، وَهُوَ ضِدُّ الْمُنْكَرِ، وَلَيْسَ يُرِيدُ بِهِ الْمَعْرُوفَ الَّذِي هُوَ الْعُرْفُ وَالْعَادَةُ؛ وَسَتَرَاهُ مُبَيَّنًا فِي سُورَةِ الْأَعْرَافِ إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {مُحْصَنَاتٍ غَيْرَ مُسَافِحَاتٍ} [النساء: ٢٥]: يَعْنِي عَفَائِفَ غَيْرَ زَانِيَاتٍ. وَقَدْ اسْتَدَلَّ بِهَا مَنْ حَرَّمَ نِكَاحَ الزَّانِيَةِ، وَهُوَ الْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَقَالَ إنَّهُ شَرَطَ فِي النِّكَاحِ الْإِحْصَانَ وَهُوَ الْعِفَّةُ، وَأَيْضًا فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَالَ فِي سُورَةِ النُّورِ: {الزَّانِي لا يَنْكِحُ إِلا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لا يَنْكِحُهَا إِلا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ} [النور: ٣]. وَقَالَتْ طَائِفَةٌ: مَعْنَى قَوْلُهُ: مُحْصَنَاتٍ، أَيْ بِنِكَاحٍ لَا بِزِنًى، وَهَذَا ضَعِيفٌ جِدًّا؛ لِأَنَّ اللَّهَ تَعَالَى قَدْ قَالَ قَبْلَ هَذَا: {فَانْكِحُوهُنَّ بِإِذْنِ أَهْلِهِنَّ} [النساء: ٢٥]، فَكَيْفَ يَقُولُ بَعْدَ ذَلِكَ مَنْكُوحَاتٌ، فَيَكُونُ تَكْرَارًا فِي الْكَلَامِ قَبِيحًا فِي النِّظَامِ، وَإِنَّمَا شَرَطَ اللَّهُ ذَلِكَ صِيَانَةً لِلْمَاءِ الْحَلَالِ عَنْ الْمَاءِ الْحَرَامِ؛ فَإِنَّ الزَّانِيَةَ لَا يَجُوزُ عِنْدَنَا نِكَاحُهَا حَتَّى تُسْتَبْرَأَ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ: يَجُوزُ نِكَاحُهَا الْيَوْمَ لِمَنْ زَنَى بِهَا الْبَارِحَةَ، وَلِمَنْ لَمْ يَزْنِ بِهَا مَعَ شَغْلِ رَحِمِهَا بِالْمَاءِ، فَهَذِهِ هِيَ الزَّانِيَةُ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ نِكَاحَهَا؛ فَقَدْ ثَبَتَ عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -

<<  <  ج: ص:  >  >>