للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَةُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ]

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {وَاهْجُرُوهُنَّ فِي الْمَضَاجِعِ} [النساء: ٣٤]: فِيهِ أَرْبَعَةُ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: يُوَلِّيهَا ظَهْرَهُ فِي فِرَاشِهِ؛ قَالَهُ ابْنُ عَبَّاسٍ.

الثَّانِي: لَا يُكَلِّمُهَا، وَإِنْ وَطِئَهَا؛ قَالَهُ عِكْرِمَةُ وَأَبُو الضُّحَى.

الثَّالِثُ: لَا يَجْمَعُهَا وَإِيَّاهُ فِرَاشٌ وَلَا وَطْءٌ حَتَّى تَرْجِعَ إلَى الَّذِي يُرِيدُ؛ قَالَهُ إبْرَاهِيمُ وَالشَّعْبِيُّ وَقَتَادَةُ وَالْحَسَنُ الْبَصْرِيُّ، وَرَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ وَابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ وَغَيْرِهِمْ.

الرَّابِعُ: يُكَلِّمُهَا وَيُجَامِعُهَا، وَلَكِنْ بِقَوْلٍ فِيهِ غِلَظٌ وَشِدَّةٌ إذَا قَالَ لَهَا تَعَالِي؛ قَالَهُ سُفْيَانُ. قَالَ الطَّبَرِيُّ: مَا ذَكَرَهُ مَنْ تَقَدَّمَ مُعْتَرَضٌ، وَذَكَرَ ذَلِكَ، وَاخْتَارَ أَنَّ مَعْنَاهُ يُرْبَطْنَ بِالْهِجَارِ وَهُوَ الْحَبْلُ فِي الْبُيُوتِ، وَهِيَ الْمُرَادُ بِالْمَضَاجِعِ، إذْ لَيْسَ لِكَلِمَةِ اُهْجُرُوهُنَّ إلَّا أَحَدُ ثَلَاثَةِ مَعَانٍ. فَلَا يَصِحُّ أَنْ يَكُونَ مِنْ الْهَجْرِ الَّذِي هُوَ الْهَذَيَانُ، فَإِنَّ الْمَرْأَةَ لَا تُدَاوَى بِذَلِكَ، وَلَا مِنْ الْهَجْرِ الَّذِي هُوَ مُسْتَفْحَشٌ مِنْ الْقَوْلِ، لِأَنَّ اللَّهَ لَا يَأْمُرُ بِهِ؛ فَلَيْسَ لَهُ وَجْهٌ إلَّا أَنْ تَرْبِطُوهُنَّ بِالْهِجَارِ. قَالَ ابْنُ الْعَرَبِيِّ: يَا لَهَا هَفْوَةٌ مِنْ عَالِمٍ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ، وَإِنِّي لَأَعْجَبَكُمْ مِنْ ذَلِكَ؛ إنَّ الَّذِي أَجْرَأَهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ، وَلَمْ يُرِدْ أَنْ يُصَرِّحَ بِأَنَّهُ أَخَذَهُ مِنْهُ، هُوَ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ كَانَتْ تَخْرُجُ حَتَّى عُوتِبَ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَعَتَبَ عَلَيْهَا وَعَلَى ضَرَّتِهَا، فَعَقَدَ شَعْرَ وَاحِدَةٍ بِالْأُخْرَى، وَضَرَبَهُمَا ضَرْبًا شَدِيدًا، وَكَانَتْ الضَّرَّةُ أَحْسَنُ اتِّقَاءً، وَكَانَتْ أَسْمَاءُ لَا تَتَّقِي؛ فَكَانَ الضَّرْبُ بِهَا أَكْثَرَ وَآثَرَ؛ فَشَكَتْهُ إلَى أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ؛ فَقَالَ لَهَا: أَيْ بُنَيَّةَ اصْبِرِي؛ فَإِنَّ الزُّبَيْرَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ زَوْجَكِ فِي الْجَنَّةِ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ إذَا

<<  <  ج: ص:  >  >>