للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَأَمَّا مَنْ قَالَهُ: إنَّهُ أَمْنٌ مِنْ عَذَابِ اللَّهِ تَعَالَى، فَإِنَّ اللَّهَ تَعَالَى نَبَّهَ بِجَعْلِهِ مَثَابَةً لِلنَّاسِ وَأَمْنًا عَلَى حُجَّتِهِ عَلَى خَلْقِهِ، وَالْأَمْنُ فِي الْآخِرَةِ لَا تُقَامُ بِهِ حُجَّةٌ.

وَأَمَّا امْتِنَاعُ الْحَدِّ فِيهِ فَقَوْلٌ سَاقِطٌ؛ لِأَنَّ الْإِسْلَامَ الَّذِي هُوَ الْأَصْلُ، وَبِهِ اعْتَصَمَ الْحَرَمُ، لَا يَمْنَعُ مِنْ إقَامَةِ الْحُدُودِ وَالْقِصَاصِ؛ وَأَمْرٌ لَا يَقْتَضِيهِ الْأَصْلُ أَحْرَى أَلَا يَقْتَضِيهِ الْفَرْعُ.

وَأَمَّا الْأَمْنُ عَنْ الْقَتْلِ وَالْقِتَالِ [فَقَوْلٌ لَا يَصِحُّ؛ لِأَنَّهُ قَدْ كَانَ فِيهِ الْقَتْلُ وَالْقِتَالُ] بَعْدَ ذَلِكَ وَيَكُونُ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ التَّحْلِيلِ لِلْقِتَالِ، فَلَا جَرَمَ لَمْ يَكُنْ فِيهَا تَحْلِيلٌ قَبْلَ ذَلِكَ الْيَوْمِ، وَلَا يَكُونُ لِعَدَمِ النُّبُوَّةِ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، وَإِنَّمَا أَخْبَرَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - عَنْ امْتِنَاعِ تَحْلِيلِ الْقِتَالِ شَرْعًا لَا عَنْ مَنْعِ وُجُودِهِ حِسًّا.

[الْآيَةُ الْحَادِيَةُ وَالْعِشْرُونَ قَوْله تَعَالَى وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إبْرَاهِيمَ مُصَلًّى]

} [البقرة: ١٢٥]

فِيهَا مَسْأَلَتَانِ: الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: فِي تَحْقِيقِ الْمَقَامِ: هُوَ مَفْعَلُ بِفَتْحِ الْعَيْنِ، مِنْ قَامَ، كَمَضْرَبٍ بِفَتْحِ الْعَيْنِ أَيْضًا، مِنْ ضَرَبَ؛ فَمِنْ النَّاسِ مَنْ حَمَلَهُ عَلَى عُمُومِهِ فِي مَنَاسِكِ الْحَجِّ؛ وَالتَّقْدِيرُ: " وَاِتَّخِذُوا مِنْ مَنَاسِكِ إبْرَاهِيمَ فِي الْحَجِّ عِبَادَةً وَقُدْوَةً ".

وَالْأَكْثَرُ حَمَلَهُ عَلَى الْخُصُوصِ فِي بَعْضِهَا، وَاخْتَلَفُوا فِيهِ: فَقَالَ قَوْمٌ: هُوَ الْحَجَرُ الَّذِي جَعَلَ إبْرَاهِيمُ عَلَيْهِ رِجْلَهُ حِينَ غَسَلَتْ زَوْجُ إسْمَاعِيلَ - عَلَيْهِمَا السَّلَامُ - رَأْسَهُ.

وَقَدْ رَأَيْت بِمَكَّةَ صُنْدُوقًا فِيهِ حَجَرٌ، عَلَيْهِ أَثَرُ قَدَمٍ قَدْ انْمَحَى وَاخْلَوْلَقَ، فَقَالُوا كُلُّهُمْ: هَذَا أَثَرُ قَدَمِ إبْرَاهِيمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ - وَهُوَ مَوْضُوعٌ بِإِزَاءِ الْكَعْبَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>