للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: أَخْبَرَنِي مَالِكُ بْنُ أَنَسٍ: بَلَغَنِي أَنَّ عِيسَى - عَلَيْهِ السَّلَامُ - انْتَهَى إلَى قَرْيَةٍ قَدْ خَرِبَتْ حُصُونُهَا، وَعَفَتْ آثَارُهَا، وَتَشَعَّثَ شَجَرُهَا، فَنَادَى: يَا خَرِبُ، أَيْنَ أَهْلُك؟ فَنُودِيَ عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ - عَلَيْهِ السَّلَامُ -: بَادُوا وَالْتَقَمَتْهُمْ الْأَرْضُ، وَعَادَتْ أَعْمَالُهُمْ قَلَائِدَ فِي رِقَابِهِمْ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ، عِيسَى ابْنُ مَرْيَمَ مَجْدٌ. قَالَ الرَّاوِي: يُرِيدُ مَالِكٌ أَنَّهُ كَانَ يَمْسَحُ الْأَرْضَ. وَقِيلَ إنَّهُ مُعَرَّبٌ مِنْ مَشِيحٍ كَتَعْرِيبِ مُوسَى عَنْ مُوشَى، وَهُوَ بِتَخْفِيفِ الشِّينِ وَكَسْرِهَا، وَكَذَلِكَ الدَّجَّالُ، وَقَدْ دَخَلَ فِيهِ جَهَلَةُ يَتَوَسَّمُونَ بِالْعِلْمِ، فَجَعَلُوا الدَّجَّالَ مُشَدَّدَ السِّينِ بِالْخَاءِ الْمُعْجَمَةِ، وَكِلَاهُمَا فِي الِاسْمِ سَوَاءٌ، إنَّ الْأُوَلَ قَالُوا هُوَ الْمَسِيحُ الَّذِي هُوَ مَسِيحُ الْهُدَى الصَّالِحُ السَّلِيمُ، وَالْآخَرُ الْمَسِيحُ الْكَذَّابُ الْأَعْوَرُ الدَّجَّالُ الْكَافِرُ، فَاعْلَمُوهُ تَرْشُدُوا.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَكَلِمَتُهُ أَلْقَاهَا إِلَى مَرْيَمَ وَرُوحٌ مِنْهُ} [النساء: ١٧١]: اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِيهِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ:

الْأُولَى: أَنَّهَا نَفْخَةٌ نَفَخَهَا جِبْرِيلُ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا، وَسُمِّيَتْ النَّفْخَةُ رُوحًا لِأَنَّهَا تَكُونُ عَنْ الرِّيحِ.

الثَّانِي: أَنَّ الرُّوحَ الْحَيَاةُ، وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي الْمُقْسِطِ وَالْمُشْكَلَيْنِ.

الثَّالِثُ: أَنَّ مَعْنَى رُوحٍ رَحْمَةٌ.

الرَّابِعُ: أَنَّ الرُّوحَ صُورَةٌ؛ لِمَا خَلَقَ اللَّهُ آدَمَ أَخْرَجَ مِنْ صُلْبِهِ ذُرِّيَّتَهُ، وَصَوَّرَهُمْ، ثُمَّ أَشْهَدَهُمْ عَلَى أَنْفُسِهِمْ، أَلَسْت بِرَبِّكُمْ؟ قَالُوا: بَلَى. ثُمَّ أَنْشَأَهُمْ كَرَّةً أَطْوَارًا، أَوْ جَعَلَ لَهُمْ الدُّنْيَا قَرَارًا؛ فَعِيسَى مِنْ تِلْكَ الْأَرْوَاحِ أَدْخَلَهُ فِي مَرْيَمَ. وَاخْتَارَ هَذَا أُبَيّ بْنُ كَعْبٍ.

وَقِيلَ فِي الْخَامِسِ: رُوحُ صُورَةٍ صَوَّرَهَا اللَّهُ تَعَالَى ابْتِدَاءً وَجَّهَهَا فِي مَرْيَمَ.

وَقِيلَ فِي السَّادِسِ: سِرُّ رُوحٍ مِنْهُ يَعْنِي جِبْرِيلَ، وَهُوَ مَعْنَى الْكَلَامِ أَلْقَاهَا إلَيْهِ رُوحٌ مِنْهُ أَيْ إلْقَاءٌ الْكَلِمَةِ كَانَ مِنْ اللَّهِ ثُمَّ مِنْ جِبْرِيلَ.

<<  <  ج: ص:  >  >>