للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالْأَزْلَامِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّامِنَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْ تَسْتَقْسِمُوا بِالأَزْلامِ} [المائدة: ٣] مَعْنَاهُ: تَطْلُبُوا مَا قُسِمَ لَكُمْ، وَجَعْلُهُ مِنْ حُظُوظِكُمْ وَآمَالِكُمْ وَمَنَافِعِكُمْ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِسْقٌ مِمَّنْ فَعَلَهُ فَإِنَّهُ تَعَرُّضٌ لِعِلْمِ الْغَيْبِ، وَلَا يَجُوزُ لِأَحَدٍ مِنْ خَلْقِ اللَّهِ أَنْ يَتَعَرَّضَ لِلْغَيْبِ وَلَا يَطْلُبُهُ؛ فَإِنَّ اللَّهَ سُبْحَانَهُ قَدْ رَفَعَهُ بَعْدَ نَبِيِّهِ إلَّا فِي الرُّؤْيَا.

فَإِنْ قِيلَ: فَهَلْ يَجُوزُ طَلَبُ ذَلِكَ فِي الْمُصْحَفِ. قُلْنَا: لَا يَجُوزُ فَإِنَّهُ لَمْ يَكُنْ الْمُصْحَفُ لِيُعْلَمَ بِهِ الْغَيْبُ؛ إنَّمَا بُيِّنَتْ آيَاتُهُ، وَرُسِمَتْ كَلِمَاتُهُ لِيُمْنَعَ عَنْ الْغَيْبِ؛ فَلَا تَشْتَغِلُوا بِهِ، وَلَا يَتَعَرَّضْ أَحَدُكُمْ لَهُ. الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةَ عَشْرَةَ: فَإِنْ قِيلَ: فَالْفَأْلُ وَالزَّجْرُ كَيْفَ حَالُهُمَا عِنْدَك؟ قُلْنَا: أَمَّا الْفَأْلُ فَمُسْتَحْسَنٌ بِاتِّفَاقٍ.

وَأَمَّا الزَّجْرُ فَمُخْتَلَفٌ فِيهِ؛ وَالْفَرْقُ بَيْنَهُمَا أَنَّ الْفَأْلَ فِيمَا يَحْسُنُ، وَالزَّجْرُ فِيمَا يُكْرَهُ. وَإِنَّمَا نَهَى الشَّارِعُ عَنْ الزَّجْرِ لِئَلَّا تَمْرَضَ بِهِ النَّفْسُ وَيَدْخُلَ عَلَى الْقَلْبِ مِنْهُ الْهَمُّ، وَإِلَّا فَقَدْ وَرَدَ ذَلِكَ [فِي الشَّرْعِ] عَنْ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فِي الْأَسْمَاءِ وَالْأَفْعَالِ.

وَقَدْ بَيَّنَّا ذَلِكَ فِي شَرْحِ الْحَدِيثِ حَيْثُ وَرَدَ ذِكْرُهُ فِيهِ. الْمَسْأَلَةُ الْمُوفِيَةُ عِشْرِينَ: الْأَزْلَامِ. كَانَتْ قِدَاحًا لِقَوْمٍ وَحِجَارَةً لِآخَرِينَ، وَقَرَاطِيسَ لِأُنَاسٍ، يَكُونُ أَحَدُهَا غُفْلًا، وَفِي الثَّانِي " افْعَلْ " أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، وَفِي الثَّالِثِ " لَا تَفْعَلْ " أَوْ مَا فِي مَعْنَاهُ، ثُمَّ يَخْلِطُهَا فِي جَعْبَةٍ أَوْ تَحْتَهُ ثُمَّ يُخْرِجُهَا مَخْلُوطَةً مَجْهُولَةً، فَإِنْ خَرَجَ الْغُفْلُ أَعَادَ الضَّرْبَ حَتَّى يَخْرُجَ لَهُ " افْعَلْ " أَوْ " لَا تَفْعَلْ " وَذَلِكَ بِحَضْرَةِ أَصْنَامِهِمْ؛ فَيَمْتَثِلُونَ مَا يَخْرُجُ لَهُمْ، وَيَعْتَقِدُونَ أَنَّ ذَلِكَ هِدَايَةٌ مِنْ الصَّنَمِ لِمَطْلَبِهِمْ.

وَكَذَا رَوَى ابْنُ الْقَاسِمِ عَنْ مَالِكٍ كَمَا سَرَدْنَاهُ لَكُمْ.

<<  <  ج: ص:  >  >>