للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَإِنْ قِيلَ: الْبُغْضُ وَرَدَ مُطْلَقًا فَلِمَ خَصَّصْتُمُوهُ بِمَا يَكُونُ فِي اللَّهِ تَعَالَى؟ قُلْنَا: لِأَنَّ الْبُغْضَ فِي غَيْرِهِ لَا يَجُوزُ عَلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - ابْتِدَاءً، وَلَا يَجُوزُ أَنْ يَأْمُرَ اللَّهُ أَحَدًا بِقَوْلِ الْحَقِّ عَلَى عَدُوِّهِ مَعَ عَدَاوَةٍ لَا تَحِلُّ، فَيَكُونُ تَقْرِيرًا لِلْوَصْفِ، وَفِيهِ أَمْرٌ بِالْمَعْصِيَةِ؛ وَذَلِكَ مُحَالٌ عَلَى اللَّهِ سُبْحَانَهُ.

[الْآيَة الثَّامِنَة قَوْله تَعَالَى وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمْ]

الْآيَةُ الثَّامِنَةُ قَوْلُهُ سُبْحَانَهُ: {وَلَقَدْ أَخَذَ اللَّهُ مِيثَاقَ بَنِي إِسْرَائِيلَ وَبَعَثْنَا مِنْهُمُ اثْنَيْ عَشَرَ نَقِيبًا وَقَالَ اللَّهُ إِنِّي مَعَكُمْ لَئِنْ أَقَمْتُمُ الصَّلاةَ وَآتَيْتُمُ الزَّكَاةَ وَآمَنْتُمْ بِرُسُلِي وَعَزَّرْتُمُوهُمْ وَأَقْرَضْتُمُ اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا لأُكَفِّرَنَّ عَنْكُمْ سَيِّئَاتِكُمْ وَلأُدْخِلَنَّكُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ فَمَنْ كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ مِنْكُمْ فَقَدْ ضَلَّ سَوَاءَ السَّبِيلِ} [المائدة: ١٢]. فِيهَا أَرْبَعُ مَسَائِلَ:

الْمَسْأَلَةُ الْأُولَى: هَذَا خِطَابٌ أَخْبَرَ بِهِ عَنْ فِعْلِ مُوسَى مَعَ بَنِي إسْرَائِيلَ، وَبَعْثِهِ النُّقَبَاءَ مِنْهُمْ إلَى الْأَرْضِ الْمُقَدَّسَةِ، لِيَخْتَبِرُوا حَالَ مَنْ بِهَا، وَيُعْلِمُوهُ بِمَا أَطْلَعُوهُ عَلَيْهِ فِيهَا حَتَّى يَنْظُرُوا فِي الْغَزْوِ إلَيْهَا؛ وَشَرْعُ مَنْ قَبْلَنَا شَرْعٌ لَنَا عَلَى مَا بَيَّنَّاهُ فِي أُصُولِ الْفِقْهِ وَفِي كِتَابِنَا هَذَا عِنْدَمَا عَرَضَ مِنْهَا مَا يَكُونُ مِثْلَهَا، وَلَمَّا كَانَ أَصْلُ مَالِكٍ ذَلِكَ، وَهُوَ الصَّحِيحُ، رَكَّبْنَا عَلَيْهِ الْمَسَائِلَ لِكَوْنِهِ مِنْ وَاضِحَاتِ الدَّلَائِلِ.

[مَسْأَلَةُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الْمَرْءُ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: فِي هَذَا دَلِيلٌ عَلَى أَنَّهُ يُقْبَلُ خَبَرُ الْوَاحِدِ فِيمَا يَفْتَقِرُ إلَيْهِ الْمَرْءُ وَيَحْتَاجُ إلَى اطِّلَاعِهِ مِنْ حَاجَاتِهِ الدِّينِيَّةِ وَالدُّنْيَوِيَّةِ، فَيُرَكِّبُ عَلَيْهِ الْأَحْكَامَ، وَيَرْبِطُ بِهِ الْحَلَالَ وَالْحَرَامَ. وَقَدْ جَاءَ أَيْضًا مِثْلُهُ فِي الْإِسْلَامِ، فَقَدْ رُوِيَ «أَنَّ وَفْدَ هَوَازِنَ لَمَّا جَاءُوا تَائِبِينَ إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - كَلَّمَ رَسُولُ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - النَّاسَ، وَسَأَلَهُمْ أَنْ يَتْرُكُوا نَصِيبَهُمْ لَهُمْ مِنْ السَّبْيِ

<<  <  ج: ص:  >  >>