للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

كَالْأَبِ فِي مَالِ ابْنِهِ، لِمَا قَدَّمْنَاهُ مِنْ قَوْلِهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ -: «إنَّ مِنْ أَطْيَبِ مَا أَكَلَ الرَّجُلُ مِنْ كَسْبِهِ وَإِنَّ وَلَدَهُ مِنْ كَسْبِهِ».

وَلِذَلِكَ قُلْنَا: إذَا وَطِئَ أَمَةَ ابْنِهِ لَا حَدَّ عَلَيْهِ لِلشُّبْهَةِ الَّتِي لَهُ فِيهَا، وَالْحُدُودُ تَسْقُطُ بِالشُّبُهَاتِ، فَهَذَا الْأَبُ وَإِنْ كَانَ جَاءَ بِصُورَةٍ السَّرِقَةِ فِي أَخْذِ الْمَالِ خِفْيَةً فَإِنَّ لَهُ فِيهِ سُلْطَانَ الْأُبُوَّةِ وَتَبَسُّطَ الِاسْتِيلَاءِ، فَانْتَصَبَ ذَلِكَ شُبْهَةً فِي دَرْءِ مَا يَنْدَرِئُ بِالشُّبُهَاتِ. وَأَمَّا مُتَعَلِّقُ الْمَسْرُوقِ، وَهِيَ [الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ].

[مَسْأَلَة سَرِقَةَ التَّافِهِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: [مُتَعَلِّقُ الْمَسْرُوقِ]: فَهُوَ كُلُّ مَالٍ تَمْتَدُّ إلَيْهِ الْأَطْمَاعُ، وَيَصْلُحُ عَادَةً وَشَرْعًا لِلِانْتِفَاعِ بِهِ، فَإِنْ مَنَعَ مِنْهُ الشَّرْعُ لَمْ يَنْفَعْ تَعَلُّقُ الطَّمَاعِيَةِ فِيهِ، وَلَا يُتَصَوَّرُ الِانْتِفَاعُ مِنْهُ، كَالْخَمْرِ وَالْخِنْزِيرِ مَثَلًا. وَقَدْ كَانَ ظَاهِرُ الْآيَةِ يَقْتَضِي قَطْعَ سَارِقِ الْقَلِيلِ وَالْكَثِيرِ؛ لِإِطْلَاقِ الِاسْمِ عَلَيْهِ وَتَصَوُّرِ الْمَعْنَى فِيهِ. وَقَدْ قَالَ بِهِ قَوْمٌ مِنْهُمْ ابْنُ الزُّبَيْرِ، فَإِنَّهُ يُرْوَى أَنَّهُ قَطَعَ فِي دِرْهَمٍ.

وَلَوْ صَحَّ ذَلِكَ عَنْهُ لَمْ يُلْتَفَتُ إلَيْهِ؛ لِأَنَّهُ كَانَ ذَا شَوَاذٍّ، وَلَا يَسْتَرِيبُ اللَّبِيبُ، بَلْ يَقْطَعُ الْمُنْصِفُ أَنَّ سَرِقَةَ التَّافِهِ لَغْوٌ، وَسَرِقَةَ الْكَثِيرِ قَدْرًا أَوْ صِفَةً مَحْسُوبٌ، وَالْعَقْلُ لَا يَهْتَدِي إلَى الْفَصْلِ فِيهِ بِحَدٍّ تَقِفُ الْمَعْرِفَةُ عِنْدَهُ، فَتَوَلَّى الشَّرْعُ تَحْدِيدَهُ بِرُبْعِ دِينَارٍ.

وَفِي الصَّحِيحِ، عَنْ عَائِشَةَ: " مَا طَالَ عَلَيَّ وَلَا نَسِيت: الْقَطْعُ فِي رُبْعِ دِينَارٍ فَصَاعِدًا ". وَهَذَا نَصٌّ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا قَطْعَ فِي أَقَلَّ مِنْ عَشَرَةِ دَرَاهِمَ، وَرَوَى أَصْحَابُهُ فِي ذَلِكَ حَدِيثًا قَدْ بَيَّنَّا ضَعْفَهُ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ وَشَرْحِ الْحَدِيثِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>