للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

رُوِيَ أَيْضًا أَنَّهُ أَمَرَ بِذَلِكَ فَقَالَ لَهُ عُمَرُ: لَا؛ بَلْ تُقْطَعُ يَدُهُ، كَمَا قَالَ تَعَالَى. قَالَ لَهُ: دُونَك. وَالرِّوَايَةُ الْأُولَى أَصَحُّ وَأَثْبُتُ رِجَالًا. وَرُوِيَ عَنْ عُمَرَ أَيْضًا أَنَّهُ قَالَ: إذَا سَرَقَ فَاقْطَعُوا يَدَهُ، فَإِنْ عَادَ فَاقْطَعُوا رِجْلَهُ، وَاتْرُكُوا لَهُ يَدًا يَأْكُلُ بِهَا الطَّعَامَ، وَيَسْتَنْجِي بِهَا مِنْ الْغَائِطِ، وَيُحَقِّقُ ذَلِكَ أَنَّ فِي الْمُوَطَّإِ عَنْ مَالِكٍ عَنْ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ الْقَاسِمِ عَنْ أَبِيهِ أَنْ رَجُلًا مِنْ أَهْلِ الْيَمَنِ كَانَ أَقْطَعَ الْيَدِ وَالرِّجْلِ فَإِنَّمَا قُطِعَتْ يَدُهُ الْيُسْرَى لِعَدَمِ الْيُمْنَى.

[مَسْأَلَة وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ يَقْتَضِي قَطْعَ يَد الْآبِق]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ وَالْعِشْرُونَ: مِنْ تَوَابِعِهَا أَنَّ عُمُومَ قَوْله تَعَالَى: {وَالسَّارِقُ وَالسَّارِقَةُ} [المائدة: ٣٨] يَقْتَضِي قَطْعَ يَدِ الْآبِقِ. وَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ وَأَبُو دَاوُد عَنْ بُسْرِ بْنِ أَرْطَاةَ، أَنَّ النَّبِيَّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - قَالَ: «لَا تُقْطَعُ الْأَيْدِي فِي السَّفَرِ». وَرَوَى النَّسَائِيّ: «فِي الْغَزْوِ». فَأَمَّا قَوْلُهُ فِي السَّفَرِ فَحَمَلَهُ بَعْضُهُمْ عَلَى الْآبِقِ، وَهُوَ غَلَطٌ بَيِّنٌ؛ لِأَجْلِ أَنَّ مِثْلَ هَذَا اللَّفْظِ الْعَامِّ لَا يُقَالُ فِيهِ يُرَادُ بِهِ هَذَا الْمَعْنَى الشَّاذُّ النَّادِرُ الَّذِي يَجُوزُ أَنْ يَذْكُرَ الْمُعَمِّمُ لَفْظَهُ وَلَا يَخْطُرُ بِبَالِهِ، فَضْلًا عَنْ أَنْ يُقَالَ إنَّهُ قَصَدَهُ. وَأَمَّا قَوْلُهُ فِي الْغَزْوِ فَإِنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِيهِ، فَقَالُوا: إنَّ مَعْنَاهُ أَنَّ الْغَانِمِينَ لِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ حَظُّهُ فِي الْغَنِيمَةِ، فَلَا يُقْطَعُ وَلَا يُحَدُّ عِنْدَ بَعْضِ الْعُلَمَاءِ. وَقِيلَ: يُقْطَعُ وَيُحَدُّ لِعَدَمِ تَعْيِينِ حَظِّهِ. وَالْأَوَّلُ أَصَحُّ؛ لِأَنَّ مِلْكَهُ مُسْتَقِرٌّ يُورَثُ عَنْهُ وَتُؤَدَّى مِنْهُ دُيُونُهُ، فَصَارَ كَالْجَارِيَةِ الْمُشْتَرَكَةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>