للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[مَسْأَلَة مَجِيء الْيَهُود إلَى النَّبِيِّ فِي أَمْرَ الزَّانِيَيْنِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: ثَبَتَ كَمَا تَقَدَّمَ أَنَّ الْيَهُودَ جَاءُوا إلَى النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَذَكَرُوا لَهُ أَمْرَ الزَّانِيَيْنِ. وَجُمْلَةُ الْأَمْرِ أَنَّ أَهْلَ الْكِتَابِ مُصَالَحُونَ، وَعُمْدَةُ الصُّلْحِ أَلَّا يَعْرِضَ لَهُمْ فِي شَيْءٍ، وَإِنْ تَعَرَّضُوا لَنَا وَرَفَعُوا أَمَرَهُمْ إلَيْنَا فَلَا يَخْلُو أَنْ يَكُونَ مَا رَفَعُوهُ ظُلْمًا لَا يَجُوزُ فِي شَرِيعَةٍ، أَوْ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ الشَّرِيعَةُ؛ فَإِنْ كَانَ مِمَّا لَا تَخْتَلِفُ فِيهِ الشَّرَائِعُ كَالْغَصْبِ وَالْقَتْلِ وَشِبْهِهِ لَمْ يُمَكَّنْ بَعْضَهُمْ مِنْ بَعْضٍ فِيهِ.

وَإِذَا كَانَ مِمَّا تَخْتَلِفُ فِيهِ الشَّرَائِعُ وَيَحْكُمُونَنَا فِيهِ وَيَتَرَاضَوْا بِحُكْمِنَا عَلَيْهِمْ فِيهِ فَإِنَّ الْإِمَامَ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ أَنْ يَحْكُمَ بَيْنَهُمْ حَكَمَ، وَإِنْ شَاءَ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ أَعْرَضَ. قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَالْأَفْضَلُ لَهُ أَنْ يُعْرِضَ عَنْهُمْ. قُلْت: وَإِنَّمَا أَنْفَذَ النَّبِيُّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الْحُكْمَ بَيْنَهُمْ، لِيُحَقِّقَ تَحْرِيفَهُمْ وَتَبْدِيلَهُمْ وَتَكْذِيبَهُمْ وَكَتْمَهُمْ مَا فِي التَّوْرَاةِ. وَمِنْهُ صِفَةُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَالرَّجْمُ عَلَى مَنْ زَنَا مِنْهُمْ. وَعَنْهُ أَخْبَرَ اللَّهُ سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى بِقَوْلِهِ: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ قَدْ جَاءَكُمْ رَسُولُنَا يُبَيِّنُ لَكُمْ كَثِيرًا مِمَّا كُنْتُمْ تُخْفُونَ مِنَ الْكِتَابِ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ} [المائدة: ١٥] فَيَكُونُ ذَلِكَ مِنْ آيَاتِهِ الْبَاهِرَةِ، وَحُجَجِهِ الْبَيِّنَةِ، وَبَرَاهِينِهِ الْمُثَبِّتَةِ لِلْأُمَّةِ، الْمُخْزِيَةِ لِلْيَهُودِ وَالْمُشْرِكِينَ.

[مَسْأَلَةُ التَّحْكِيمِ مِنْ الْيَهُود فِي أَمَرَ الزِّنَا]

الْمَسْأَلَةُ الرَّابِعَةُ: فِي التَّحْكِيمِ مِنْ الْيَهُودِ: قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: إذَا جَاءَ الْأَسَاقِفَةُ وَالزَّانِيَانِ فَالْحَاكِمُ مُخَيَّرٌ إنْ شَاءَ حَكَمَ أَوْ لَا؟ لِأَنَّ إنْفَاذَ الْحُكْمِ حَقُّ الْأَسَاقِفَةِ. وَقَالَ غَيْرُهُ: إذَا حَكَّمَ الزَّانِيَانِ الْإِمَامَ جَازَ إنْفَاذُهُ الْحُكْمَ، وَلَا يَلْتَفِتُ إلَى الْأَسَاقِفَةِ؛ وَهُوَ الْأَصَحُّ؛ لِأَنَّ مُسْلِمَيْنِ لَوْ حَكَّمَا بَيْنَهُمَا رَجُلًا لَنَفَذَ [حُكْمُهُ] وَلَمْ يَعْتَبِرْ رِضَا

<<  <  ج: ص:  >  >>