للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَلَمَّا رَأَى عُلَمَاؤُنَا أَنَّ مَسْأَلَةَ أَبِي حَنِيفَةَ فِي تَحْرِيمِ الْحَلَالِ مُرَكَّبَةٌ عَلَى الْيَمِينِ أَنْكَرُوا لَهُ أَنَّ الْيَمِينَ تُحَرِّمُ، وَكَانَ هَذَا لِأَنَّ النُّظَّارَ تَحْمِلُهُمْ مُقَارَعَةُ الْخُصُومِ عَلَى النَّظَرِ فِي الْمُنَاقَضَاتِ وَتَرْكِ التَّحْقِيقِ، وَالنَّظَّارُ الْمُحَقِّقُ يَتَفَقَّدُ الْحَقَائِقَ، وَلَا يُبَالِي عَلَى مَنْ دَار النَّظَرُ، وَلَا مَا صَحَّ مِنْ مَذْهَبٍ.

وَاَلَّذِي نَعْتَقِدُهُ أَنَّ الْيَمِينَ تُحَرِّمُ الْمَحْلُوفَ عَلَيْهِ؛ فَإِنَّهُ إذَا قَالَ: وَاَللَّهِ لَا دَخَلْت الدَّارَ فَإِنَّ هَذَا الْقَوْلَ قَدْ مَنَعَهُ مِنْ الدُّخُولِ حَتَّى يُكَفِّرَ، فَإِنْ أَقْدَمَ عَلَى الْفِعْلِ قَبْلَ الْكَفَّارَةِ لَزِمَهُ أَدَاؤُهَا؛ وَالِامْتِنَاعُ هُوَ التَّحْرِيمُ بِعَيْنِهِ، وَالْبَارِي تَعَالَى هُوَ الْمُحَرِّمُ وَهُوَ الْمُحَلِّلُ، وَلَكِنَّ تَحْرِيمَهُ يَكُونُ ابْتِدَاءً كَمُحَرَّمَاتِ الشَّرِيعَةِ، وَقَدْ يَكُونُ بِأَسْبَابٍ يُعَلِّقُهَا عَلَيْهِ مِنْ أَفْعَالِ الْمُكَلَّفِينَ، كَتَعْلِيقِ التَّحْرِيمِ بِالطَّلَاقِ، وَالتَّحْرِيمِ بِالْيَمِينِ. وَيَرْفَعُ التَّحْرِيمُ الْكَفَّارَةَ مَفْعُولَةً أَوْ مَعْزُومًا عَلَيْهَا. وَيَرْفَعُ تَحْرِيمُ الطَّلَاقِ النِّكَاحَ بِحَسَبِ مَا رَتَّبَ سُبْحَانَهُ مِنْ الْأَحْكَامِ، وَبَيَّنَ مِنْ الشُّرُوطِ. هَذَا لُبَابُهُ، وَتَمَامُهُ فِي التَّلْخِيصِ، فَلْيُنْظَرْ فِيهِ [بَاقِي قِسْمَيْ هَذَا الْبَابِ فَإِنَّ فِيهِ لَغُنْيَةُ الْأَلْبَابِ].

وَأَصْحَابُ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - الَّذِينَ كَانُوا قَدْ اجْتَمَعُوا وَاعْتَقَدُوا تَحْرِيمَ الْأَطَايِبِ مِنْ الطَّعَامِ وَالزِّينَةِ مِنْ الثِّيَابِ وَاللَّذَّةِ مِنْ النِّسَاءِ حَلَفُوا عَلَى ذَلِكَ، وَلِأَجْلِهِ نَزَلَتْ الْآيَةُ فِيهِمْ؛ وَإِنْ كَانُوا لَمْ يَحْلِفُوا، وَلَكِنَّهُمْ اعْتَقَدُوا، فَقَدْ دَخَلَتْ مَسْأَلَتُهُمْ فِي قِسْمِ اللَّغْوِ؛ وَإِذَا أَرَادَ أَبُو حَنِيفَةَ أَنْ يُلْحِقَ قَوْلَهُ: حَرَّمْت عَلَى نَفْسِي الْأَكْلَ، بِقَوْلِهِ: وَاَللَّهِ لَا أَكَلْت، تَبَيَّنَ لَكُمْ نُقْصَانُ هَذَا الْإِلْحَاقِ وَفَسَادُهُ؛ لِأَنَّهُ بِالْيَمِينِ حَرَّمَ وَأَكَّدَ التَّحْرِيمَ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى، وَإِذَا قَالَ: حَرَّمْت عَلَى نَفْسِي الْأَكْلَ، فَتَحْرِيمُهُ وَحْدَهُ دُونَ ذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى كَيْفَ يَلْحَقُ بِالتَّحْرِيمِ الْمَقْرُونِ بِذِكْرِ اللَّهِ تَعَالَى بَعْدَ إسْقَاطِهِ هَذَا الْإِلْحَاقَ؟ لَا يَخْفَى تَهَاتُرُهُ عَلَى أَحَدٍ.

[مَسْأَلَة إذَا لَمْ يُؤَكِّد الْيَمِين]

الْمَسْأَلَةُ التَّاسِعَةُ:

رَوَى نَافِعٌ عَنْ ابْنِ عُمَرَ: إذَا لَمْ يُؤَكِّدْ الْيَمِينَ أَطْعَمَ عَشَرَةَ مَسَاكِينَ، وَإِذَا أَكَّدَهَا

<<  <  ج: ص:  >  >>