للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

خَارِجًا عَنْ حُكْمِ الذَّبْحِ لِلْأَكْلِ قَالَ عُلَمَاؤُنَا: إذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَقْتُلَ وَلَدِي فَهُوَ عَاصٍ، وَلَا شَيْءَ عَلَيْهِ. وَإِذَا قَالَ: لِلَّهِ عَلَيَّ أَنْ أَذْبَحَ وَلَدِي فَإِنَّهُ يَفْتَدِيه بِشَاةٍ عَلَى تَفْصِيلِ بَيَانِهِ فِي مَسَائِلِ الْخِلَافِ، وَسَيَأْتِي إنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى فِي سُورَةِ الصَّافَّاتِ بَيَانُهُ.

وَالْمِقْدَارُ الْمُتَعَلِّقُ مِنْهُ هَاهُنَا بِهَذَا الْمَوْضِعِ أَنَّ الْقَتْلَ لَيْسَ مِنْ أَنْوَاعِ التَّذْكِيَةِ بِمُطْلَقِهِ وَلَا الْخَنْقَ، وَلَا يُعَدُّ مِنْ بَابِ الذَّبْحِ أَوْ النَّحْرِ اللَّذَيْنِ شُرِعَا فِي الْحَيَوَانِ الْمَأْكُولِ لِتَطْيِيبِهِ.

[مَسْأَلَةُ صَيْدَ الْبَحْرِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ:

لَمَّا قَالَ اللَّهُ تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] جَرَى عُمُومُهُ عَلَى كُلِّ صَيْدٍ بَرِّيٍّ وَبَحْرِيٍّ، حَتَّى جَاءَ قَوْله تَعَالَى: {وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا} [المائدة: ٩٦] فَأَبَاحَ صَيْدَ الْبَحْرِ إبَاحَةً مُطْلَقَةً، وَحَرَّمَ صَيْدَ الْبَرِّ عَلَى الْمُحْرِمِينَ؛ فَصَارَ هَذَا التَّقْسِيمُ وَالتَّنْوِيعُ دَلِيلًا عَلَى خُرُوجِ صَيْدِ الْبَحْرِ مِنْ النَّهْيِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: قَوْله تَعَالَى: {وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥] عَامٌّ فِي التَّحْرِيمِ بِالزَّمَانِ، وَفِي التَّحْرِيمِ بِالْمَكَانِ، وَفِي التَّحْرِيمِ بِحَالَةِ الْإِحْرَامِ، إلَّا أَنَّ تَحْرِيمَ الزَّمَانِ خَرَجَ بِالْإِجْمَاعِ عَنْ أَنْ يَكُونَ مُعْتَبَرًا، وَبَقِيَ تَحْرِيمُ الْمَكَانِ وَحَالَةُ الْإِحْرَامِ عَلَى أَصْلِ التَّكْلِيفِ.

[مَسْأَلَةُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى لَا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: قَوْله تَعَالَى: {لا تَقْتُلُوا الصَّيْدَ وَأَنْتُمْ حُرُمٌ} [المائدة: ٩٥]

عَامٌّ فِي كُلِّ صَيْدٍ كَانَ، مَأْكُولًا أَوْ غَيْرَ مَأْكُولٍ، سَبُعًا أَوْ غَيْرَ سَبُعٍ، ضَارِيًا أَوْ غَيْرَ ضَارٍ، صَائِلًا أَوْ سَاكِنًا؛ بَيْدَ أَنَّ الْعُلَمَاءَ اخْتَلَفُوا فِي خُرُوجِ السِّبَاعِ عَنْهُ وَتَخْصِيصِهِ مِنْهَا؛ فَقَالَ عُلَمَاؤُنَا: يَجُوزُ لِلْمُحْرِمِ قَتْلُ السِّبَاعِ الْعَادِيَةِ الْمُبْتَدِئَةِ بِالْمَضَرَّةِ كَالْأَسَدِ وَالنَّمِرِ وَالذِّئْبِ وَالْفَهْدِ وَالْكَلْبِ الْعَقُورِ وَمَا فِي مَعْنَاهَا، وَمِنْ الطَّيْرِ كَالْغُرَابِ وَالْحَدَأَةِ؛ وَلَا جَزَاءَ عَلَيْهِ فِيهِ.

وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ بِقَوْلِنَا فِي الْكَلْبِ الْعَقُورِ وَالذِّئْبِ وَالْغُرَابِ وَالْحِدَأَةِ، وَخَالَفَنَا فِي السَّبُعِ وَالْفَهْدِ وَالنَّمِرِ وَغَيْرِهَا مِنْ السِّبَاعِ، فَأَوْجَبَ عَلَى الْمُحْرِمِ الْجَزَاءَ بِقَتْلِهَا.

وَقَالَ الشَّافِعِيُّ: كُلُّ مَا لَا يُؤْكَلُ لَحْمُهُ فَلَا جَزَاءَ فِيهِ إلَّا السَّمْعُ وَهُوَ الْمُتَوَلِّدُ بَيْنَ الذِّئْبِ وَالضَّبُعِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>