للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وَتَعَلَّقَ أَحْمَدُ فِي إحْدَى رِوَايَتَيْهِ وَمَنْ تَابَعَهُ عَلَيْهَا بِأَنَّهُ خَصَّ الْمُتَعَمِّدَ بِالذِّكْرِ، فَدَلَّ عَلَى أَنَّ غَيْرَهُ بِخِلَافِهِ، وَزَادَ بِأَنْ قَالَ الْأَصْلُ بَرَاءَةُ الذِّمَّةِ، فَمَنْ ادَّعَى شَغْلَهَا فَعَلَيْهِ الدَّلِيلُ.

وَأَمَّا مُتَعَلِّقُ مَنْ قَالَ: وَجَبَ فِي النِّسْيَانِ تَغْلِيظًا فَدَعْوَى تَحْتَاجُ إلَى دَلِيلٍ. وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ خَرَجَ عَلَى الْغَالِبِ فَحِكْمَةُ الْآيَةِ وَفَائِدَةُ التَّخْصِيصِ مَا قَالُوهُ، فَأَيْنَ دَلِيلُهُ؟ وَأَمَّا مَنْ قَالَ: إنَّهُ وَجَبَ فِي النِّسْيَانِ بِالسُّنَّةِ فَإِنْ كَانَ يُرِيدُ بِهِ الْآثَارَ الَّتِي وَرَدَتْ عَنْ ابْنِ عَبَّاسٍ وَابْنِ عُمَرَ فَنِعِمَّا هِيَ، وَمَا أَحْسَنُهَا أُسْوَةً، وَأَمَّا مَنْ تَعَلَّقَ بِالْقِيَاسِ عَلَى كَفَّارَةِ الْقَتْلِ فَيَصِحُّ ذَلِكَ لِلشَّافِعِيِّ الَّذِي يَرَى الْكَفَّارَةَ فِي قَتْلِ الْآدَمِيِّ عَمْدًا وَخَطَأً، فَأَمَّا نَحْنُ وَقَدْ عَقَدْنَا أَصْلَنَا عَلَى أَنَّ قَتْلَ الْعَمْدِ فِي الْآدَمِيِّ لَا كَفَّارَةَ فِيهِ، وَفِي قَتْلِ الصَّيْدِ عَمْدًا الْكَفَّارَةَ فَلَا يَصِحُّ ذَلِكَ مِنَّا لِوُجُودِ الْمُنَاقَضَةِ مِنَّا بِالْمُخَالَفَةِ فِيهِ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُ عِنْدَنَا. وَاَلَّذِي يَتَحَقَّقُ مِنْ الْآيَةِ أَنَّ مَعْنَاهَا أَنَّ مَنْ قَتَلَ الصَّيْدَ مِنْكُمْ مُتَعَمِّدًا لِقَتْلِهِ نَاسِيًا لِإِحْرَامِهِ، أَوْ جَاهِلًا بِتَحْرِيمِهِ، فَعَلَيْهِ الْجَزَاءُ؛ لِأَنَّ ذَلِكَ يَكْفِي لِوَصْفِ التَّعَمُّدِ، فَتَعَلَّقَ الْحُكْمُ بِهِ، لِاكْتِفَاءِ الْمَعْنَى مَعَهُ. وَهَذَا دَقِيقٌ فَتَأَمَّلُوهُ.

فَأَمَّا إذَا قَتَلَهُ مُتَعَمِّدًا لِلْقَتْلِ وَالْإِحْرَامِ فَذَلِكَ أَبْلَغُ فِي وَصْفِ الْعَمْدِيَّةِ؛ لَكِنْ مِنْ النَّاسِ مَنْ قَالَ: لَا حَجَّ لَهُ. وَهَذِهِ دَعْوَى لَا يَدُلُّك عَلَيْهَا دَلِيلٌ مِنْ ظَاهِرِ الْقُرْآنِ وَلَا مِنْ السُّنَّةِ وَلَا مِنْ الْمَعْنَى، وَسَنَسْتَوْفِي بَقِيَّةَ الْقَوْلِ فِي آخِرِ الْآيَةِ إنْ شَاءَ اللَّهُ.

[مَسْأَلَةُ مَعْنَى قَوْله تَعَالَى فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنْ النَّعَمِ]

الْمَسْأَلَةُ الْحَادِيَةَ عَشْرَةَ: قَوْله تَعَالَى: {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ} [المائدة: ٩٥]

الْجَزَاءُ فِي اللُّغَةِ هُوَ: الْمُقَابِلُ لِلشَّيْءِ، وَتَقْدِيرُ الْكَلَامِ: فَعَلَيْهِ جَزَاءٌ فِي مُقَابِلِ مَا أَتْلَفَ وَبَدَلٌ مِنْهُ؛ وَقَدْ حَقَّقْنَا ذَلِكَ فِي كِتَابِ " مُلْجِئَةِ الْمُتَفَقِّهِينَ إلَى مَعْرِفَةِ غَوَامِضِ النَّحْوِيِّينَ "

<<  <  ج: ص:  >  >>