للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

جَوَابٌ ثَانٍ: وَذَلِكَ أَنَّ الْحَبْسَ عِنْدَنَا لَا يَنْقُلُ الْمِلْكَ؛ بَلْ يَبْقَى عَلَى حُكْمِ مَالِكِهِ، وَإِنَّمَا يَكُونُ الْحَبْسُ فِي الْغَلَّةِ وَالْمَنْفَعَةِ عَلَى أَحَدِ الْقَوْلَيْنِ، وَفِي الْقَوْلِ الثَّانِي يُنْقَلُ الْمِلْكُ إلَى الْمَحْبُوسِ عَلَيْهِ وَهُوَ مَالِكٌ.

فَإِنْ قِيلَ: إنَّمَا كَانَ يَصِحُّ هَذَا لَوْ كَانُوا مُعَيَّنِينَ، فَأَمَّا الْمَجْهُولُ وَالْمَعْدُومُ فَلَا يَنْتَقِلُ الْمِلْكُ إلَيْهِ.

قُلْنَا: هَذَا يَبْطُلُ بِأَرْبَعَةِ مَسَائِلَ: الْأُولَى الْمَسْجِدُ. الثَّانِيَةُ الْمَقْبَرَةُ. الثَّالِثَةُ الْقَنْطَرَةُ، قَالُوا يَصِحُّ هَذَا، وَهُوَ حَبْسٌ عَلَى مَعْدُومٍ وَمَجْهُولٍ [وَهُوَ الرَّابِعُ].

جَوَابٌ خَامِسٌ: وَذَلِكَ أَنَّ أَبَا حَنِيفَةَ نَاقَضَ؛ فَقَالَ: إذَا أَوْصَى بِالْحَبْسِ جَازَ، وَهَذِهِ الْمُنَاقَضَاتُ الْخَمْسُ لَا جَوَابَ لَهُ عَنْهَا إلَّا وَيَنْعَكِسُ عَلَيْهِمْ فِي مَسْأَلَتِنَا، وَلَهُمْ آثَارٌ لَمْ نَرْضَ ذِكْرَهَا لِبُطْلَانِهَا.

[مَسْأَلَةُ عِتْقِ السَّائِبَةِ]

الْمَسْأَلَةُ الْخَامِسَةُ: فِي عِتْقِ السَّائِبَةٍ: قَالَ أَصْبَغُ عَنْ ابْنِ الْقَاسِمِ فِي الْعُتْبِيَّةِ: أَكْرَهُ عِتْقَ السَّائِبَةِ؛ لِأَنَّهُ كَهِبَةِ الْوَلَاءِ. وَقَالَ عِيسَى: أَكْرَهُهُ وَأَنْهَى عَنْهُ.

قَالَ سَحْنُونٌ: لَا يُعْجِبُنَا كَرَاهِيَتُهُ لَهُ، وَهُوَ جَائِزٌ، كَمَا يَجُوزُ أَنْ يُعْتِقَ عَنْ غَيْرِهِ يُرِيدَانِ: وَلَا يَكُونُ ذَلِكَ هِبَةً لِلْوَلَاءِ، كَذَلِكَ فِي السَّائِبَةِ، وَهَذَا الَّذِي قَالَاهُ صَحِيحٌ عَلَى تَعْلِيلِهِ.

وَأَمَّا لَوْ عَلَّلَ الْكَرَاهَةَ بِأَنَّهَا لَفْظَةٌ مَذْمُومَةٌ شَرْعًا، فَلَا يَتَقَرَّبُ بِهَا؛ إذْ لَهُ فِي غَيْرِهَا مِنْ أَلْفَاظِ الْعِتْقِ فِي كِنَايَاتِهِ وَصَرَائِحِهِ مَنْدُوحَةٌ لَكَانَ لَهُ وَجْهٌ، وَتَبَيَّنَتْ الْمَسْأَلَةُ؛ وَبِالْكَرَاهَةِ أَقُولُ لِلْمَعْنَى الَّذِي نَبَّهْت عَلَيْهِ.

الْمَسْأَلَةُ السَّادِسَةُ: فِي تَصْوِيرِهِ: وَهُوَ أَنْ يَقُولَ لِلْعَبْدِ: أَنْتَ سَائِبَةٌ، وَيَنْوِيَ الْعِتْقَ. أَوْ يَقُولَ: أُعْتِقُك سَائِبَةً.

<<  <  ج: ص:  >  >>