للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَلَمْ يَجِدْ أَحَدًا يَشْهَدُ عَلَى وَصِيَّتِهِ، فَأَشْهَدَ رَجُلَيْنِ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ، فَقَدِمَا الْكُوفَةَ، فَأَتَيَا أَبَا مُوسَى الْأَشْعَرِيَّ، فَأَخْبَرَاهُ، وَقَدِمَا بِتَرِكَتِهِ وَوَصِيَّتِهِ، فَقَالَ أَبُو مُوسَى الْأَشْعَرِيُّ: هَذَا أَمْرٌ لَمْ يَكُنْ بَعْدَ الَّذِي كَانَ فِي عَهْدِ رَسُولِ اللَّهِ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - فَأَحْلَفَهُمَا، وَأَمْضَى شَهَادَتَهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ بِمَسْجِدِ الْكُوفَةِ بِاَللَّهِ الَّذِي لَا إلَهَ إلَّا هُوَ، مَا كَتَمَا وَلَا غَيَّرَا. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: كَأَنِّي أَنْظُرُ إلَى الْعِلْجَيْنِ حَتَّى انْتَهَى بِهِمَا إلَى أَبِي مُوسَى الْأَشْعَرِيِّ، فَفَتَحَ الصَّحِيفَةَ؛ فَأَنْكَرَ أَهْلُ الْمَيِّتِ وُجُوهَهُمَا، فَأَرَادَ أَبُو مُوسَى أَنْ يَسْتَحْلِفَهُمَا بَعْدَ صَلَاةِ الْعَصْرِ، فَقُلْت: لَا يُبَالُونَ بَعْدَ الْعَصْرِ، وَلَكِنْ اسْتَحْلَفَهُمَا بَعْدَ صَلَاتِهِمَا فِي دِينِهِمَا.

وَقَدْ رُوِيَ عَنْ ابْنِ مَسْعُودٍ.

الْمَسْأَلَةُ الثَّانِيَةُ: قَوْله تَعَالَى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا} [المائدة: ١٠٦]

قَدْ تَقَدَّمَ فِي سُورَةِ الْبَقَرَةِ.

[مَسْأَلَة مَعْنَى قَوْله تَعَالَى شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ: قَوْله تَعَالَى: {شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: ١٠٦] وَقَدْ تَقَدَّمَ مَعْنَى (شَهِيدٍ) فِي هَذِهِ السُّورَةِ أَيْضًا بِعَيْنِهَا، وَبَيَّنَّا اخْتِلَافَ أَنْوَاعِهَا، وَقَدْ وَرَدَتْ فِي كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى بِأَنْوَاعٍ مُخْتَلِفَةٍ، مِنْهَا قَوْلُهُ: {وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ} [البقرة: ٢٨٢] قِيلَ: مَعْنَاهُ أَحْضِرُوا.

وَمِنْهَا قَوْله تَعَالَى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلا هُوَ} [آل عمران: ١٨] قَضَى.

وَمِنْهَا شَهِدَ، أَيْ أَقَرَّ، كَقَوْلِهِ: {وَالْمَلائِكَةُ يَشْهَدُونَ} [النساء: ١٦٦].

وَمِنْهَا شَهِدَ بِمَعْنَى حَكَمَ؛ قَالَ تَعَالَى: {وَشَهِدَ شَاهِدٌ مِنْ أَهْلِهَا} [يوسف: ٢٦].

وَمِنْهَا شَهِدَ بِمَعْنَى حَلَفَ، كَمَا جَاءَ فِي اللِّعَانِ.

وَمِنْهَا شَهِدَ بِمَعْنَى عَلِمَ. كَمَا قَالَ: {وَلا نَكْتُمُ شَهَادَةَ اللَّهِ} [المائدة: ١٠٦] أَيْ عِلْمَ اللَّهِ.

وَمِنْهَا شَهِدَ بِمَعْنَى وَصَّى، كَقَوْلِهِ هَاهُنَا: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا شَهَادَةُ بَيْنِكُمْ} [المائدة: ١٠٦]. انْتَهَى كَلَامُهُ.

وَقَدْ نَقَصَ مَوَارِدُ مِنْهُ، مِنْهَا قَوْلُهُ: {وَمَا شَهِدْنَا إِلا بِمَا عَلِمْنَا} [يوسف: ٨١].

<<  <  ج: ص:  >  >>