للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قُلْنَا: قَدْ آنَ أَنْ نَكْشِفَ لَكُمْ نُكْتَةً أُصُولِيَّةً وَقَعَتْ تَفَارِيقَ فِي أَقْوَالِ الْعُلَمَاءِ تَلَقَّفْتهَا جُمْلَةً مِنْ فَكٍّ شَدِيدٍ؛ وَذَلِكَ أَنَّا نَقُولُ: مَهْمَا قُلْنَا: إنَّ اللَّفْظَ الْوَارِدَ عَلَى سَبَبٍ، هَلْ يَقْصُرُ عَلَيْهِ أَمْ لَا؟ فَإِنَّا لَا نُخْرِجُ السَّبَبَ عَنْهُ، بَلْ نُقِرُّهُ فِيهِ، وَنَعْطِفُ بِهِ عَلَيْهِ، وَلَا نَمْتَنِعُ أَنْ يُضَافَ غَيْرُهُ إلَيْهِ إذَا احْتَمَلَهُ اللَّفْظُ، أَوْ قَامَ عَلَيْهِ الدَّلِيلُ؛ فَقَوْلُهُ: {وَلا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ} [الأنعام: ١٢١] ظَاهِرٌ فِي تَنَاوُلِ الْمَيْتَةِ بِعُمُومِ لَفْظِهِ، وَكَوْنِهَا سَبَبًا لِوُرُودِهِ، وَيَدْخُلُ فِيهِ مَا ذُكِرَ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ اسْمَ غَيْرِ اللَّهِ مِنْ الْآلِهَةِ الْمُبْطَلَةِ وَهِيَ:

[مَسْأَلَة مَا تَرَكَ الْمُسْلِمُ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهِ عَمْدًا مِنْ الذَّبَائِحِ]

الْمَسْأَلَةُ السَّابِعَةُ: بِعُمُومِ أَنَّهُ لَمْ يُذْكَرْ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ، وَبِزِيَادَةِ ذِكْرِ غَيْرِ اللَّهِ عَلَيْهِ الَّذِي يَقْتَضِي تَحْرِيمُهُ هَذَا اللَّفْظَ عُمُومًا وَمَعْنَاهُ تَنْبِيهًا مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى، وَيَقْتَضِي تَحْرِيمُهُ نَصًّا قَوْلُهُ: {وَمَا أُهِلَّ لِغَيْرِ اللَّهِ بِهِ} [المائدة: ٣]، فَقَدْ تَوَارَدَ عَلَى تَحْرِيمِ ذَلِكَ النَّصُّ وَالْعُمُومُ وَالتَّنْبِيهُ مِنْ طَرِيقِ الْأَوْلَى بِالتَّحْرِيمِ لِظَاهِرِ أَدِلَّةِ الشَّرْعِ عَلَيْهِ أَوَّلًا.

وَهَذَا مِنْ بَدِيعِ الِاسْتِنْبَاطِ فِي مَوَارِدِ الْأَدِلَّةِ الْمُمَاثَلَةِ فِي اقْتِضَاءِ الْحُكْمِ الْوَاحِدِ عَلَيْهِ، وَهَلْ يَدْخُلُ فِيهِ مَا تَرَكَ الْمُسْلِمُ التَّسْمِيَةَ عَلَيْهِ عَمْدًا مِنْ الذَّبَائِحِ أَمْ لَا؟ مَسْأَلَةٌ مُشْكِلَةٌ جِدًّا قَدْ مَهَّدْنَا الْقَوْلَ فِيهَا فِي تَخْلِيصِ الطَّرِيقَتَيْنِ، وَلَكِنَّنَا نُشِيرُ فِيهَا هَاهُنَا إلَى نُكْتَةٍ تَتَعَلَّقُ بِالْمَقْصُودِ؛ فَنَقُولُ:

اخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي مَتْرُوكِ التَّسْمِيَةِ عَلَى سِتَّةِ أَقْوَالٍ:

الْأَوَّلُ: إنْ تَرَكَهَا سَهْوًا أُكِلَتْ. وَإِنْ تَرَكَهَا عَمْدًا لَمْ تُؤْكَلْ قَالَهُ فِي الْكِتَابِ مَالِكٌ وَابْنُ الْقَاسِمِ وَأَبُو حَنِيفَةَ، وَعِيسَى، وَأَصْبَغُ.

الثَّانِي: إنْ تَرَكَهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا تُؤْكَلُ؛ قَالَهُ الْحَسَنُ، وَالشَّافِعِيُّ.

الثَّالِثُ: أَنَّهُ إنْ تَرَكَهَا عَامِدًا أَوْ نَاسِيًا حَرُمَ أَكْلُهَا؛ قَالَهُ ابْنُ سِيرِينَ، وَأَحْمَدُ.

الرَّابِعُ: إنْ تَرَكَهَا مُتَعَمِّدًا كُرِهَ أَكْلُهَا وَلَمْ تُحَرَّمْ؛ قَالَهُ الْقَاضِي أَبُو الْحَسَنِ، وَالشَّيْخُ أَبُو بَكْرٍ مِنْ أَصْحَابِنَا، وَهُوَ ظَاهِرُ قَوْلِ الشَّافِعِيِّ.

<<  <  ج: ص:  >  >>