للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مِنْهُمْ صَدِيقٌ مِنْ الْحُمْسِ اسْتَعَارَ مِنْ ثِيَابِهِ وَطَافَ بِهَا، وَمَنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَدِيقٌ مِنْهُمْ، وَكَانَ لَهُ يَسَارٌ اسْتَأْجَرَ مِنْ رَجُلٍ مِنْ الْحُمْسِ ثِيَابَهُ، فَإِنْ لَمْ يَكُنْ لَهُ صَدِيقٌ وَلَا يَسَارٌ يَسْتَأْجِرُ بِهِ كَانَ بَيْنَ أَحَدِ أَمْرَيْنِ: إمَّا أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا، وَإِمَّا أَنْ يَتَكَرَّمَ أَنْ يَطُوفَ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا فَيَطُوفَ فِي ثِيَابِهِ؛ فَإِذَا فَرَغَ مِنْ طَوَافِهِ أَلْقَى ثَوْبَهُ عَنْهُ، فَلَمْ يَمَسَّهُ، وَلَمْ يَمَسَّهُ أَحَدٌ مِنْ النَّاسِ؛ فَكَانَ ذَلِكَ الثَّوْبُ يُسَمَّى اللَّقَى قَالَ قَائِلٌ مِنْ الْعَرَبِ:

كَفَى حَزَنًا كَرِّي عَلَيْهِ كَأَنَّهُ ... لَقًى بَيْنَ أَيْدِي الطَّائِفِينَ حَرِيمُ

وَإِنْ كَانَتْ امْرَأَةٌ وَلَمْ تَجِدْ مَنْ يُعِيرُهَا وَلَا كَانَ لَهَا يَسَارٌ تَسْتَأْجِرُ بِهِ [خَلَعَتْ] ثِيَابَهَا كُلَّهَا إلَّا دِرْعًا مُفْرَدًا، ثُمَّ طَافَتْ فِيهِ؛ فَقَالَتْ امْرَأَةٌ مِنْ الْعَرَبِ كَانَتْ جَمِيلَةً تَامَّةً ذَاتَ هَيْئَةٍ وَهِيَ تَطُوفُ:

الْيَوْمَ يَبْدُو بَعْضُهُ أَوْ كُلُّهُ ... وَمَا بَدَا مِنْهُ فَلَا أُحِلُّهُ

فَكَانُوا عَلَى ذَلِكَ مِنْ الْبِدْعَةِ وَالضَّلَالَةِ حَتَّى بَعَثَ اللَّهُ نَبِيَّهُ مُحَمَّدًا - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - وَأَنْزَلَ فِيمَنْ كَانَ يَطُوفُ بِالْبَيْتِ عُرْيَانًا: {يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ} [الأعراف: ٣١] إلَى آخِرِ الْآيَةِ.

وَوَضَعَ اللَّهُ مَا كَانَتْ قُرَيْشٌ ابْتَدَعَتْ مِنْ ذَلِكَ، وَقَدْ أَنْزَلَ اللَّهُ فِي تَرْكِهِمْ الْوُقُوفَ بِعَرَفَةَ: {ثُمَّ أَفِيضُوا مِنْ حَيْثُ أَفَاضَ النَّاسُ} [البقرة: ١٩٩] يَعْنِي بِذَلِكَ قُرَيْشًا وَمَنْ كَانَ عَلَى دِينِهِمْ.

[مَسْأَلَة سَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ]

الْمَسْأَلَةُ الثَّالِثَةُ:

اخْتَلَفَ النَّاسُ فِي سَتْرِ الْعَوْرَةِ، هَلْ هِيَ فَرْضٌ فِي الصَّلَاةِ أَمْ مُسْتَحَبَّةٌ؟ فَأَمَّا أَبُو حَنِيفَةَ وَالشَّافِعِيُّ وَأَحْمَدُ فَقَالُوا: إنَّهَا فَرْضٌ فِيهَا. وَأَمَّا مَالِكٌ فَالْمَشْهُورُ مِنْ قَوْلِهِ أَنَّهَا فَرْضٌ إسْلَامِيٌّ لَا تَخْتَصُّ بِالصَّلَاةِ؛ وَهُوَ أَشْهَرُ أَقْوَالِنَا. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ مِثْلَ قَوْلِ مَنْ تَقَدَّمَ؛ وَهُوَ الصَّحِيحُ؛ لِمَا ثَبَتَ مِنْ «أَمْرِ النَّبِيِّ - صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ - بِسَتْرِ الْعَوْرَةِ فِي الصَّلَاةِ»، وَالْأَمْرُ عَلَى الْوُجُوبِ، وَهُوَ وَإِنْ كَانَ فَرْضًا إسْلَامِيًّا فَإِنَّهُ يَتَأَكَّدُ فِي الصَّلَاةِ.

<<  <  ج: ص:  >  >>