للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[الأقارب الذين ينفق عليهم]

ومَن هو القريب الذي يجب الإنفاق عليه؟ الأقرباء كُثر.

ف

الجواب

إذا كان القريب من عمودَي النسب تجب نفقته عليك، إذا احتاج وما عنده ما يسد حاجته.

فعمودا النسب: الآباء والأجداد وإن علَو، والعمود الثاني: الأبناء والأحفاد وإن نزلوا.

فيجب عليك أن تنفق على أبيك إذا احتاج وأمك والجد وأبو الجد إذا احتاج وما عنده، وأنت تستطيع يجب عليك أن تنفق عليه، ابنك، وبنتك، وحفيدك، حفيدتك، إذا كنت قادراً واحتاجوا يجب أن تنفق عليهم.

فإذا كان القريب من عمودَي النسب، وكان المنفق غنياً؛ عنده ما يستطيع أن ينفق على هؤلاء، وكان المنفَق عليه محتاجاً، فقيراً، لا يملك شيئاً، أو لا يملك ما يكفيه، أو لا يقدر على الكسب، وكان على دِين واحد؛ أما إذا كان كافراً لا تجب النفقة، إذا كان ولده كافراً، أبوه كافراً، فالنفقة تجب على الإنسان لقريبه إذا كان على دِين واحد.

والدليل على وجوب النفقة على الوالدين قول الله تعالى: {وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً} [البقرة:٨٣] والإنفاق عليهما من أعظم الإحسان.

والدليل على وجوب النفقة للأولاد على أبيهم قوله تعالى: {وَعَلَى الْمَوْلُودِ لَهُ رِزْقُهُنَّ وَكِسْوَتُهُنَّ بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٣٣] مَن هو المولود له؟ الأب: {رِزْقُهُنَِّ} [البقرة:٢٣٣] طعام الوالدات: {وَكِسْوَتُهُنَّ} [البقرة:٢٣٣] لباسهن: {بِالْمَعْرُوفِ} [البقرة:٢٣٣] بما جرت به العادة: {وَعَلَى الْوَارِثِ مِثْلُ ذَلِكَ} [البقرة:٢٣٣] يدل على أن المتوارثين من القرابات، هناك حقوق ومنها: النفقة، فإذا كان هناك إنسان أنت ترثه لو مات فيجب عليك أن تنفق عليه إذا كان فقيراً محتاجاً، وقال الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:٢٦] فإذا كان أخوك فقيراً وأنت قادر إذاً يجب أن تنفق عليه، {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:٢٦].

فنفقة الأقارب المحتاجين على قريبهم الغني واجبة إذا كان قادراً، وجاء رجل للنبي صلى الله عليه وسلم فقال: (مَن أَبَرُّ؟ قال: أمَّك وأباك وأختَك وأخاك) وفي رواية: (وابدأ بمن تعول؛ أمَّك وأباك وأختَك وأخاك، ثم أدناك أدناك) هذا يفسر قول الله تعالى: {وَآتِ ذَا الْقُرْبَى حَقَّهُ} [الإسراء:٢٦] ذا القربى عام، وهذا تفصيله في السنة.

والوالد تجب عليه نفقة الولد كاملة ينفرد بها، ما يوزع هذا، يقول: فقط عليَّ الطعام، أكلك عليَّ، لبسك ما لي دخل فيه، سكنك عليَّ، وكذا، يجب عليه أن ينفق على الولد نفقة كاملة.

والفقير الذي له أقارب أغنياء وليس لديهم أب حتى نحمِّل الأب النفقة كاملة، هل يتحملها الأكبر منهم؟ ليس عدلاً، نقول: يشتركون في الإنفاق عليه كلٌّ بقدر إرثه منه، فإذا كان -مثلاً- كل واحد يرث منه الثلث، نقول: ثلث النفقة على كل واحد منهم هذا يرث السدس، نقول: أنت سدس النفقة عليك، وهذا يرث النصف، نقول: نصف النفقة عليك، وهكذا.

وأما نفقة المماليك من الأرقاء والبهائم فإنها تجب بالمعروف أيضاً: (إخوانكم خَوَلُكم جعلهم الله تحت أيديكم فمن كان أخوه -يعني: العبد- تحت يده فليطعمه مما يأكل، وليلبسه مما يلبس، ولا تكلفوهم ما يغلبهم).

وإن طلب الرقيق نكاحاً زوجه سيده أو باعه حتى لا يمنعه من الزواج، وكذلك إن طلبت الأمة خُيِّر سيدُها بين وطئها، أو تزويجها، أو بيعها؛ لئلا يضر بها، وكذلك الدابة؛ العلف والسقْي وكل ما يصلحها لا بد من ذلك: (عُذبت امرأة في هرة) الحديث، فكل حيوان عندك لو كان عندك عصفور يجب عليك الإنفاق عليه، ولا يجوز تعذيب البهيمة، ولا حلبها بما يضر ولدها، ولا لعنها، ولا وسمها في وجهها، فإن عجز عن الإنفاق عليها أُجبر على بيعها، أو تأجيرها، أو ذبحها إذا كانت مما تؤكل؛ لأن بقاءها مع رجل لا ينفق عليها ظلم لها، هذا معلوم من الفقه الإسلامي، والذي قلنا أنه سبق الغربيين في الرأفة بالحيوان منذ قديم الزمان.

هذه بعض الأشياء المتعلقة بالنفقة، وهذا كان له علاقة بحديث اليوم والقصة التي سبق ذكرها.

وأيضاً: فإن من الأشياء المتعلقة: الصدقة؛ والصدقة التي ذكرها الرجل هي: إعطاء الفقراء والمساكين وغير ذلك من وجوه البر لأن أبواب الصدقة كثيرة جداً، ولا يجوز للإنسان أن يرجع في صدقته إذا سلمها للفقير أو للشخص الذي تصدق به عليه، وكذلك لا يشتري صدقته، ويُخفي الصدقة، كما أن هناك آداباً تتعلق بهذا الموضوع، ربما نأتي عليها مرة أخرى إن شاء الله.

والله أعلم.

وصلى الله وسلم على نبينا محمد.

<<  <  ج: ص:  >  >>