للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قلت وأصل ذلك في سماع أشهب وابن نافع قال وسئل مالك عن الذي يشتري المتاع فيه الخلل والسقط فيستأجر عليه كمادين فيكمدونه حتى يصفق ويسد منها كل خلل أو سقط ثم يبيعونها أترى بذلك بأسًا لا خير في الغش وأنا أكره مثل هذا.

قيل له أرأيت الرجل يأتي بطعامه التمر وما أشبهه فيصيره صبرة فيكون حشفه داخله وظاهره فيجمع على ما بوجه الصبرة فيلقيه ناحية لا يدخله في جوف الصبرة فقال لا يفعل هذا، هذا وجه التزيين ولا يعجبني ذلك قلت له أرأيت الذي يصيب صبرته فيها الحشف فيكون في داخلها وعلى وجهها قال لا بأس بذلك إذا لم يزين أعلاها فيكون داخلها مخالفا لخارجها.

قال ابن رشد رحه تع هذا بين على ما قال إن كان المبتاع ينصفق وينسد ما فيه من سقط وخلل من الغش الذي لا ينبغي فيكون للمشتري أن يردها إن لم يعلم أن الكمد يصفقه ويسد خلله وسقطه ما كان المتاع قائما فإن فات رد إلى القيمة إن كانت أقل من الثمن على ما مضى خمر الخز ترش بالخبز لتصفق وتشتد وكذلك تنقية ظاهر الصبرة من الحشف لأن المشتري يظن أن باطنها في النقاء من الحشف مثل ظاهرها وإذا لم ينق أعلى الصبرة من الحشف فلا كلام للمشتري لأنه يستدل بظاهرها على باطنها فإن قلت مقتضى قوله في الرواية هذا وجه التزيين ولا يعجبني ذلك أن التزيين محضور لكونه من أنواع الغش.

وقد ذكر في "كتاب جامع الأحكام" جواز تشريح الجزارين اللحم للزينة وأخذ من المدونة من قوله لا بأس أن يزينوها للبيع فهل ذلك إلا خلاف لما في الرواية؟ قلت بل يحمل ما في الرواية على التزيين الذي هو لمجرد التمويه بما لا حقيقة له على جنس البيع. وما وقع في الكتاب إنما هو في التزيين بما يكشف خباياه من حقيقة باطنه لتشريح اللحم فإنه يبرز ما في باطنه من الشحم الدال على السمن الفائق بخلاف ما في الصبرة من حشف يزال عن ظاهرها ويترك بباطنها فهذا تزيين بما في باطنه أردى مما بالظاهر والآخر تزيين بما في باطنه أفضل مما بالظاهر فكان الأول غشا والثاني كمالًا فلا يكون ما في الرواية مناقضًا لما في المدونة لتباين الصور بمحامل التأويل التي يعينها الطريق القياسي.

ومنه جعل بعض الأجزاء المجموع منها الثوب مخالفًا لبقيتها. قال أصبغ ومن ابتاع قميصًا فأصاب بنائقه أردى رقعة من بدنه وكميه أو وجد مقعدة السراويل كذلك فإن كان متفاوتًا غير متقارب فله الرد وإن كان متقاربا فلا رد.

<<  <   >  >>