للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>

قد كثرت البلوى فيه وعمت المصيبة وهلك بسببه الأديان والأبدان وذلك لما ضاع العلم وقل القائم به والمناضل عنه وذهب أهل التمرين والتحقيق فانهمك الناس وتعاطى العلم جهالهم فأفضوا إلى ما حذر منه صلعم في قوله الحق حتى إذا لم يبق عالم اتخذ الناس رؤوساء جهالا سئلوا فأفتوا بغير علم فضلوا وأضلوا أعاذنا الله أن نكون منهم ووقانا التباعات اللاحقة عنهم.

فقد آلت الحال اليوم إلى أن ينظر أحد العوام في أوراق من الفقه والكلام ويقوم على الخوض فيما يهلكه والمستمع منه أن يقف على مسائل من الخلاف فيختار منها بحسب ما يوافقه من شتى المذاهب أو يعثر به سوء نظره وظنه الكاذب ثم يتصدى للقول وتطلب الفتوى فيقول فيما ليس له به علم هذا حلال وهذا حرام ليفتري على الله الكذب.

فلقد أخبرني غير واحد عن رجل من العامة أعرفه الآن ممن وقف على كلام بعض أهل الظاهر من غير تفهم لمعانيه ولا ملاقاة شيخ فيه أنه يفتي الناس مجاهرا غير مستتر ولا مستح من الله تع وغير مراقب لمن يقيم حدودها عليه بأشياء من الفواحش منكرة منها أن يمين الرجل بالطلاق والعتاق وما أشبه ذلك من متعلقات الشروط في مثل هذا والتزام العقود لا يوجب الحنث عليه فيها شيئا ويحملهم على ذلك ويريهم تسهيل سبيله بأن يحلف لهم بالطلاق على شيء وضده في مقام واحد يجرئهم بذلك على حدود الله تع.

مناظرة المؤلف رحمه الله لبعض الشافعية

في لزوم الحنث في الحلف بالطلاق

قلت وكنا نسمع من أخبار عوام الركوبات أن أهل الديار المصرية يكثرون الحلف بالطلاق في ترداد مخاطباتهم كما يجري لفظ الجلالة بصيغة القسم في تخاطب أهل بلادنا وأنهم يزعمون عدم انعقاد اليمين على الحالف بها حتى يضع يده على رأس امرأته زعما منهم أن الشافعي يقول بذلك فنقول لقائل ذلك حاشا الله أن يقول الإمام محمد بن إدريس الشافعي هذه القولة المباينة لما عليه علماء هذه الملة حتى حللت بالبلاد الشرقية وأنا صاعد للحج كنت ذات يوم أساير قاضيًا من قضاة الحواري بمصر في طريق درب الحجاز ونحن نتفاوض المسائل ورأيت معه وقود ذهن ولوذعية نظر فإذا به ينصر مباحثته بالحلف بالطلاق المتكرر

<<  <   >  >>