للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة
<<  <  ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وعليه فلو افرتضنا أن موضوع ثقافة معينة يرجع إلى مشكلة الأفكار فحسب، فإن ذلك كاف بوصفه مسوغاً نضعه بين يدي هذه الدراسة.

وربما وجد القارئ جوانب أخرى لم يكن يتوقعها في هذه الدراسة التي لا تمس السياسة من قريب أو بعيد، بيد أننا إذا ما قررنا أن لمشكلة الثقافة نوعيتها التاريخية والاجتماعية في حدود الزمان والمكان، وأن لأية ثقافة بحكم هذه النوعية وجودها الخاص الذي يرسم حدودها على الخريطة، إذا ما قررنا ذلك فمن العسير علينا ألا نربط هذه الملاحظة النظرية بالمشكلات السياسية التي تثير اهتمام العالم عامة، والبلاد التي تخصها تلك المشكلات خاصة.

فإذا ما أخذنا مثلاً موقف البلاد التي اتبعت في سياستها الدولية روح مؤتمر باندونج المتمثلة في (الحياد الإيجابي)، فمن الطبيعي أن نتصور أن هذه البلاد ينبغي أن تفكر في اقتصادها طبقاً لهذه الخطة السلوكية، بل أن تفكر في سياستها أيضاً بذلك الروح.

ولكن أليس من الطبيعي أن تتجه البلاد إلى أن تفكر في ثقافتها بالطريقة نفسها، أعني بذلك أن تكون ثقافتها متجاوبة مع فكرة (الحياد الإيجابي)؟!.

ومع ذلك فربما كان هذا السؤال عارياً عن المنطق أو خيالياً لو أنه كان متعارضاً- في النظرة الأولى- مع العناصر الذاتية في المشكلة. ولكن الوضع الاجتماعي في البلاد الإفريقية الآسيوية- ومن بينها البلاد العربية الإسلامية- يحتوي في مرحلة تطورها الراهنة كثيراً من العناصر النوعية، التي تتفق مع مقتضيات فكرة (الحياد الإيجابي) بحكم ضرورة داخلية، فهناك إذن ثقافة تتفق مع هذا الاتجاه السياسي بصورة طبيعية، وربما استطاع القارئ أن يلحظ ذلك ضمناً في ثنايا هذا العرض.

فمشكلة الثقافة في البلاد العربية والإسلامية تتصل في الحقيقة اليوم بجوانب مختلفة، جعلتني أرى من المفيد في هذه الدراسة بعد موضوعها الرئيسي الذي يحمل عنواناً (تحليل نفسي للثقافة)، أن أضيف بعض الأفكار التي نشرت من قبل في دراسات أخرى، فتجمع هنا تحت عنوان (تركيب نفسي للثقافة) وتحت عنوان (تعايش الثقافات). فهذد الإضافة تمليها طبيعة المنهج ووحدة الموضوع.

القاهرة: ٢٦/ ٢/ ١٩٥٩م

م. ب

<<  <   >  >>