للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

اليقظة فإنه لا يضرك ما رأيت في النوم، وكان يجيب في خلال ذلك ويقول: إنما أجيب بالظن والظن يخطئ ويصيب.

وإذا كان هذا قول إمام المعبرين في زمانه وما بعده من الأزمان فما الظن بغيره، فاتقوا الله أيها المتسرعون إلى تعبير الأحلام بغير علم، واعلموا أنكم ستسئلون عن تخرصاتكم يوم القيامة، ولا يأنف أحدكم أن يقول: لا أدري، فقد قال غير واحد من العلماء إن قول: لا أدري نصف العلم.

فصل

وقد أُلَّف في تعبير الأحلام عدة مؤلفات. منها ما ينسب إلى ابن سيرين. ومنها ما ينسب إلى غيره، ولا خير في الاشتغال بها وكثرة النظر فيها لأن ذلك قد يشوّش الفكر، وربما حصل منه القلق والتنغيص من رؤية المنامات المكروهة، وقد يدعو بعض من لا علم لهم إلى تعبير الأحلام على وفق ما يجدونه في تلك الكتب ويكون تعبيرهم لها بخلاف تأويلها المطابق لها في الحقيقة فيكونون بذلك من المتخرصين القائلين بغير علم، ولو كان كل ما قيل في تلك الكتب من التعبير صحيحًا ومطابقًا لكل ما ذكروه من أنواع الرؤيا لكان المعبرون للرؤيا كثيرين جدًا في كل عصر ومصر. وقد علم بالاستقراء والتتبع لأخبار الماضين من هذه الأمة أن العاملين بتأويل الرؤيا قليلون جدًا، بل إنهم في غاية الندرة في العلماء فضلاً عن غير العلماء.

وذلك لأن تعبير الرؤيا علم من العلوم التي يختص الله بها من يشاء من عباده كما قال تعالى مخبرًا عن يعقوب عليه الصلاة والسلام أنه قال ليوسف عليه الصلاة والسلام: {وَكَذَلِكَ يَجْتَبِيكَ رَبُّكَ وَيُعَلِّمُكَ مِنْ تَأْوِيلِ الْأَحَادِيثِ} [يوسف: ٦] وقال تعالى مخبرًا عن يوسف أنه قال للفتيين اللذين دخلا معه السجن: {لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي} [يوسف: ٣٧] وقال تعالى مخبرًا عن يوسف أيضًا أنه قال: {رَبِّ قَدْ آَتَيْتَنِي مِنَ الْمُلْكِ وَعَلَّمْتَنِي

<<  <   >  >>