للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قد تعلقوا بأغصانها ورأيت قومًا من قريش يريدون قطعها فإذا دنوا منها أخرهم شابٌّ لم أر قط أحسن منه وجهًا ولا أطيب منه ريحًا فيكسر أضلعهم ويقلع أعينهم فرفعت يدي لأتناول منها نصيبًا فمنعني الشاب فقلت: لمن النصيب؟ فقال: النصيب لهؤلاء الذين تعلقوا بها وسبقوك إليها، فانتبهت مذعورًا فزعًا، فرأيت وجه الكاهنة قد تغير. ثم قالت: لئن صدقت رؤياك ليخرجن من صلبك رجل يملك المشرق والمغرب ويدين له الناس، ثم قال لأبي طالب: لعلك تكون هذا المولود، قال: فكان أبو طالب يحدث بهذا الحديث والنبي - صلى الله عليه وسلم - قد خرج ويقول: «كانت الشجرة» والله أعلم أبا القاسم الأمين، فيقال له: ألا تؤمن به؟ فيقول: «السبة والعار».

قلت: الظاهر في تأويل هذه الرؤيا أن الشجرة العظيمة هي الإسلام الذي ملأ نوره ما بين المشرق والمغرب وعلا فوق جميع الأديان ودان له العرب والعجم، وأما خفاء الشجرة ساعة وازدهارها ساعة أخرى فهو – والله أعلم – ما يطرأ على الإسلام من القوة والإقبال في بعض الأحيان، وما يطرأ عليه من الضعف والإدبار في بعض الأحيان كما قد جاء ذلك في حديث أبي أمامة رضي الله عنه الذي رواه الحارث بن أبي أسامة والطبراني في ذكر إقبال الدين وإدباره، وأما الرهط من قريش الذين تعلقوا بأغصان الشجرة فهم – والله أعلم – الذين دخلوا في الإسلام من شيوخ قريش الذين كانوا في زمان عبد المطلب وأدركوا الإسلام فأسلموا، وأما القوم من قريش الذين يريدون قطع الشجرة فهم – والله أعلم – صناديد قريش وكبراؤهم الذين حاربوا الإسلام وأرادوا طمسه وإطفاء نوره، وأما الشاب الذي كان يكسر أضلع الذين يريدون قطع الشجرة من قريش ويقلع أعينهم فهو – والله أعلم – رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فإن جهاده لصناديد قريش وصدعه بالدعوة إلى الإسلام بين ظهرانيهم كان بمنزلة كسر ضلوعهم وقلع أعينهم حتى أظهر الله الإسلام وهم كارهون وقطع دابر الكافرين على يدي رسوله محمد - صلى الله عليه وسلم -، وأما منع الشاب لعبد المطلب من تناول النصيب من الشجرة فهو – والله أعلم – لأن عبد المطلب مات قبل الإسلام فلم يكن له نصيب منه، هذا ما ظهر لي والعلم عند الله.

ومن أحلام الأكابر أيضًا رؤيا أم النبي - صلى الله عليه وسلم - حين حملت به أنه خرج منها

<<  <   >  >>