للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَشَدِّ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، كَأَنَّهُ يَقُولُ فَشُدَّهُنَّ، وَمِنْهُ صُرَّةُ الدَّنَانِيرِ. وَقَرَأَ قَوْمٌ" فَصِرَّهُنَّ" بِكَسْرِ الصَّادِ وَشَدِّ الرَّاءِ الْمَفْتُوحَةِ، وَمَعْنَاهُ صَيِّحْهُنَّ، مِنْ قَوْلِكَ: صَرَّ الْبَابُ وَالْقَلَمُ إِذَا صَوَّتَ، حَكَاهُ النَّقَّاشُ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: هِيَ قِرَاءَةٌ غَرِيبَةٌ، وَذَلِكَ أَنَّ يَفْعِلُ بِكَسْرِ الْعَيْنِ فِي الْمُضَاعَفِ الْمُتَعَدِّي قَلِيلٌ، وَإِنَّمَا بَابُهُ يَفْعُلُ بِضَمِّ الْعَيْنِ، كَشَدَّ يَشُدُّ وَنَحْوِهِ، وَلَكِنْ قَدْ جَاءَ مِنْهُ نَمَّ الْحَدِيثَ يَنُمُّهُ وَيَنِمُّهُ، وَهَرَّ الْحَرْبَ يَهُرُّهَا وَيَهِرُّهَا، وَمِنْهُ بَيْتُ الْأَعْشَى:

لَيَعْتَوِرَنَّكَ الْقَوْلُ حَتَّى تَهِرَّهُ «١»

إِلَى غَيْرِ ذَلِكَ فِي حُرُوفٍ قَلِيلَةٍ. قَالَ ابْنُ جِنِّيٍّ: وَأَمَّا قِرَاءَةُ عِكْرِمَةَ بِضَمِّ الصَّادِ فَيُحْتَمَلُ فِي الرَّاءِ الضَّمُّ وَالْفَتْحُ وَالْكَسْرُ [كَمَدَّ وَشَدَّ «٢»] وَالْوَجْهُ ضَمُّ الرَّاءِ مِنْ أَجْلِ ضَمَّةِ الْهَاءِ مِنْ بَعْدُ. الْقِرَاءَةُ الْخَامِسَةُ" صَرِّهِنَّ" بِفَتْحِ الصَّادِ وَشَدِّ الرَّاءِ مَكْسُورَةً، حَكَاهَا الْمَهْدَوِيُّ وَغَيْرُهُ عَنْ عِكْرِمَةَ، بِمَعْنَى فَاحْبِسْهُنَّ، مِنْ قَوْلِهِمْ: صَرَّى يُصَرِّي إِذَا حَبَسَ، وَمِنْهُ الشَّاةُ الْمُصَرَّاةُ. وَهُنَا اعْتِرَاضٌ ذَكَرَهُ الْمَاوَرْدِيُّ [وَهُوَ «٣»] يُقَالُ: فَكَيْفَ أُجِيبُ إِبْرَاهِيمُ إِلَى آيَاتِ الْآخِرَةِ دُونَ مُوسَى فِي قَوْلِهِ" رَبِّ أَرِنِي أَنْظُرْ إِلَيْكَ «٤» "؟ فَعَنْهُ «٥» جَوَابَانِ: أَحَدُهُمَا أَنَّ مَا سَأَلَهُ مُوسَى لَا يَصِحُّ مَعَ بَقَاءِ التَّكْلِيفِ، وَمَا سَأَلَهُ إِبْرَاهِيمُ خَاصٌّ يَصِحُّ مَعَهُ بَقَاءُ التَّكْلِيفِ. الثَّانِي أَنَّ الْأَحْوَالَ تَخْتَلِفُ فَيَكُونُ الْأَصْلَحُ فِي بَعْضِ الْأَوْقَاتِ الْإِجَابَةَ، وَفِي وَقْتٍ آخَرَ الْمَنْعَ فِيمَا لَمْ يَتَقَدَّمْ فِيهِ إِذْنٌ. وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَمَرَ اللَّهُ تَعَالَى إِبْرَاهِيمَ بِهَذَا قَبْلَ أَنْ يُولَدَ لَهُ وَقَبْلَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْهِ الصُّحُفَ، وَاللَّهُ أَعْلَمُ.

[[سورة البقرة (٢): آية ٢٦١]]

مَثَلُ الَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوالَهُمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنْبَتَتْ سَبْعَ سَنابِلَ فِي كُلِّ سُنْبُلَةٍ مِائَةُ حَبَّةٍ وَاللَّهُ يُضاعِفُ لِمَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ واسِعٌ عَلِيمٌ (٢٦١)

فِيهِ خَمْسُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- لَمَّا قَصَّ اللَّهُ سُبْحَانَهُ مَا فِيهِ مِنَ الْبَرَاهِينِ، حَثَّ عَلَى الْجِهَادِ، وَأَعْلَمَ أَنَّ مَنْ جَاهَدَ بَعْدَ هَذَا الْبُرْهَانِ الَّذِي لَا يَأْتِي بِهِ إِلَّا نَبِيٌّ فَلَهُ فِي جِهَادِهِ الثَّوَابُ العظيم. ورى البستي


(١). الذي في الديوان:
ليستدرجنك الْقَوْلُ حَتَّى تَهِرَّهُ ... وَتَعْلْمُ أَنِّي عَنْكَ لَسْتُ بمجرم

(٢). الزيادة من هـ وب وج وابن عطية.
(٣). من هـ وب وج.
(٤). راجع ج ٧ ص ٢٧٨. [ ..... ]
(٥). في ب: ففيه.