للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

عِكْرِمَةُ" وَتُكَفَّرْ" بِالتَّاءِ وَفَتْحِ الْفَاءِ وَجَزْمِ الرَّاءِ. وَحَكَى الْمَهْدَوِيُّ عَنِ ابْنِ هُرْمُزٍ أَنَّهُ قَرَأَ" وَتُكَفِّرُ" بِالتَّاءِ وَرَفْعِ الرَّاءِ. وَحُكِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ وشهر بن حوشب أنهما قرءا بالتاء وَنَصْبِ الرَّاءِ. فَهَذِهِ تِسْعُ قِرَاءَاتٍ أَبْيَنُهَا" وَنُكَفِّرُ" بِالنُّونِ وَالرَّفْعِ. هَذَا قَوْلُ الْخَلِيلِ وَسِيبَوَيْهِ. قَالَ النحاس: قال سيبويه: والرفع ها هنا الْوَجْهُ وَهُوَ الْجَيِّدُ، لِأَنَّ الْكَلَامَ الَّذِي بَعْدَ الْفَاءِ يَجْرِي مَجْرَاهُ فِي غَيْرِ الْجَزَاءِ. وَأَجَازَ الْجَزْمَ بِحَمْلِهِ عَلَى الْمَعْنَى، لِأَنَّ الْمَعْنَى وَإِنْ تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا الْفُقَرَاءَ يَكُنْ خَيْرًا لَكُمْ وَنُكَفِّرْ عَنْكُمْ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: قَرَأَ الْأَعْمَشُ" يُكَفِّرُ" بِالْيَاءِ دُونَ وَاوٍ قَبْلَهَا. قَالَ النَّحَّاسُ: وَالَّذِي حَكَاهُ أَبُو حَاتِمٍ عَنِ الْأَعْمَشِ بِغَيْرِ وَاوٍ جَزْمًا يَكُونُ عَلَى الْبَدَلِ كَأَنَّهُ فِي مَوْضِعِ الْفَاءِ. وَالَّذِي رُوِيَ عَنْ عَاصِمٍ" وَيُكَفِّرُ" بِالْيَاءِ وَالرَّفْعِ يَكُونُ مَعْنَاهُ وَيُكَفِّرُ اللَّهُ، هَذَا قَوْلُ أَبِي عُبَيْدٍ. وَقَالَ أَبُو حَاتِمٍ: مَعْنَاهُ يُكَفِّرُ الْإِعْطَاءَ. وَقَرَأَ ابْنُ عَبَّاسٍ" وَتُكَفِّرْ" يَكُونُ مَعْنَاهُ وَتُكَفِّرِ الصَّدَقَاتِ. وَبِالْجُمْلَةِ فَمَا كَانَ مِنْ هَذِهِ الْقِرَاءَاتِ بِالنُّونِ فَهِيَ نُونُ الْعَظَمَةِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا بِالتَّاءِ فَهِيَ الصَّدَقَةُ فَاعْلَمْهُ، إِلَّا مَا رُوِيَ عَنْ عِكْرِمَةَ مِنْ فَتْحِ الْفَاءِ فَإِنَّ التَّاءَ فِي تِلْكَ الْقِرَاءَةِ إِنَّمَا هِيَ لِلسَّيِّئَاتِ، وَمَا كَانَ مِنْهَا بِالْيَاءِ فَاللَّهُ تَعَالَى هُوَ الْمُكَفِّرُ، وَالْإِعْطَاءُ فِي خَفَاءٍ مُكَفِّرٌ أَيْضًا كَمَا ذَكَرْنَا، وَحَكَاهُ مَكِّيٌّ. وَأَمَّا رَفْعُ الرَّاءِ فَهُوَ عَلَى وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا أَنْ يَكُونَ الْفِعْلُ خَبَرَ ابْتِدَاءٍ تَقْدِيرُهُ وَنَحْنُ نُكَفِّرُ أَوْ وَهِيَ تُكَفِّرُ، أَعْنِي الصَّدَقَةَ، أَوْ وَاللَّهُ يُكَفِّرُ. وَالثَّانِي الْقَطْعُ وَالِاسْتِئْنَافُ لَا تَكُونُ الْوَاوُ الْعَاطِفَةُ لِلِاشْتِرَاكِ لَكِنْ تَعْطِفُ جُمْلَةَ كَلَامٍ عَلَى جُمْلَةٍ. وَقَدْ ذَكَرْنَا مَعْنَى قِرَاءَةِ الْجَزْمِ. فَأَمَّا نَصْبُ" وَنُكَفِّرَ" فَضَعِيفٌ وَهُوَ عَلَى إِضْمَارِ أَنْ وَجَازَ عَلَى بُعْدٍ. قَالَ الْمَهْدَوِيُّ: وَهُوَ مُشَبَّهٌ بِالنَّصْبِ فِي جَوَابِ الِاسْتِفْهَامِ، إِذِ الْجَزَاءُ يَجِبُ بِهِ الشَّيْءُ لِوُجُوبِ غَيْرِهِ كَالِاسْتِفْهَامِ. وَالْجَزْمُ فِي الرَّاءِ أَفْصَحُ هَذِهِ القراء أت، لِأَنَّهَا تُؤْذِنُ بِدُخُولِ التَّكْفِيرِ فِي الْجَزَاءِ وَكَوْنِهِ مَشْرُوطًا إِنْ وَقَعَ الْإِخْفَاءُ. وَأَمَّا الرَّفْعُ فَلَيْسَ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى. قُلْتُ: هَذَا خِلَافُ مَا اخْتَارَهُ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ. وَ" مِنْ" فِي قَوْلِهِ (مِنْ سَيِّئاتِكُمْ) لِلتَّبْعِيضِ الْمَحْضِ. وَحَكَى الطَّبَرِيُّ عَنْ فِرْقَةٍ أَنَّهَا زَائِدَةٌ. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَذَلِكَ مِنْهُمْ خَطَأٌ. (وَاللَّهُ بِما تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ) وَعْدٌ ووعيد.