للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَقِيلَ سَبَبُ نُزُولِهَا الْآيَةُ الَّتِي قَبْلَهَا وَهِيَ:" لِلَّهِ مَا فِي السَّماواتِ وَما فِي الْأَرْضِ وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنْفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ فَيَغْفِرُ لِمَنْ يَشاءُ وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشاءُ وَاللَّهُ عَلى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ" فَإِنَّهُ لَمَّا أُنْزِلَ هَذَا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ اشْتَدَّ ذَلِكَ عَلَى أَصْحَابِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَتَوْا رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ثُمَّ بَرَكُوا عَلَى الرُّكَبِ فَقَالُوا: أَيْ رَسُولَ اللَّهِ، كُلِّفْنَا مِنَ. الْأَعْمَالِ مَا نُطِيقُ: الصَّلَاةُ وَالصِّيَامُ والجهاد [والصدقة «١»]، وقد أنزل الله عليك هَذِهِ الْآيَةَ وَلَا نُطِيقُهَا. قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ:" أَتُرِيدُونَ أَنْ تَقُولُوا كَمَا قَالَ أَهْلُ الْكِتَابَيْنِ مِنْ قَبْلِكُمْ سَمِعْنا وَعَصَيْنا بَلْ قُولُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ" فَقَالُوا: سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ. فَلَمَّا اقْتَرَأَهَا الْقَوْمُ ذَلَّتْ بِهَا أَلْسِنَتُهُمْ فَأَنْزَلَ اللَّهُ فِي إِثْرِهَا:" آمَنَ الرَّسُولُ بِما أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ وَقالُوا سَمِعْنا وَأَطَعْنا غُفْرانَكَ رَبَّنا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ". فَلَمَّا فَعَلُوا ذَلِكَ نَسَخَهَا اللَّهُ، فَأَنْزَلَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ:" لَا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلَّا وُسْعَها لَها مَا كَسَبَتْ وَعَلَيْها مَا اكْتَسَبَتْ" «٢» " رَبَّنا لَا تُؤاخِذْنا إِنْ نَسِينا أَوْ أَخْطَأْنا" قَالَ:" نَعَمْ"" رَبَّنا وَلا تَحْمِلْ عَلَيْنا إِصْراً كَما حَمَلْتَهُ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِنا" قَالَ:" نَعَمْ"" رَبَّنا وَلا تُحَمِّلْنا مَا لَا طاقَةَ لَنا بِهِ" قَالَ:" نَعَمْ"" وَاعْفُ عَنَّا وَاغْفِرْ لَنا وَارْحَمْنا أَنْتَ مَوْلانا فَانْصُرْنا عَلَى الْقَوْمِ الْكافِرِينَ" قَالَ:" نَعَمْ". أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: قَوْلُهُ فِي الرِّوَايَةِ الْأُولَى «٣» " قَدْ فَعَلْتُ" وَهُنَا قَالَ:" نَعَمْ" دَلِيلٌ عَلَى نَقْلِ الْحَدِيثِ بِالْمَعْنَى، وَقَدْ تَقَدَّمَ. وَلَمَّا تَقَرَّرَ الْأَمْرُ عَلَى أَنْ قَالُوا: سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا، مَدَحَهُمُ اللَّهُ وَأَثْنَى عَلَيْهِمْ فِي هَذِهِ الْآيَةِ، وَرَفَعَ الْمَشَقَّةَ فِي أَمْرِ الْخَوَاطِرِ عَنْهُمْ، وَهَذِهِ ثَمَرَةُ الطَّاعَةِ وَالِانْقِطَاعِ إِلَى اللَّهِ تَعَالَى، كَمَا جَرَى لِبَنِي إِسْرَائِيلَ ضِدُّ ذَلِكَ مِنْ ذَمِّهِمْ وَتَحْمِيلِهِمُ الْمَشَقَّاتِ مِنَ الذِّلَّةِ وَالْمَسْكَنَةِ وَالِانْجِلَاءِ إِذْ قَالُوا: سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا، وَهَذِهِ ثَمَرَةُ الْعِصْيَانِ وَالتَّمَرُّدِ عَلَى اللَّهِ تَعَالَى، أَعَاذَنَا اللَّهُ مِنْ نِقَمِهِ بِمَنِّهِ وَكَرَمِهِ. وَفِي الْحَدِيثِ أَنَّ النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قِيلَ لَهُ: إِنَّ بَيْتَ ثَابِتِ بْنِ قَيْسِ بْنِ شماس


(١). من صحيح مسلم.
(٢). في الأصول بعد قوله:" مَا اكْتَسَبَتْ" قال: نعم. وليست في صحيح مسلم.
(٣). ص ٤٢١