للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

أَعْطَاهُ آيَاتٍ تَدُلُّ عَلَى نُبُوَّتِهِ مِنْ إِحْيَاءِ الْمَوْتَى وَغَيْرِ ذَلِكَ فَإِنَّ اللَّهَ عَزَّ وَجَلَّ هُوَ الْمُنْفَرِدُ بِهَذِهِ الْأَشْيَاءِ، مِنْ قَوْلِهِ:" تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشاءُ". وَقَوْلِهِ:" تُولِجُ اللَّيْلَ فِي النَّهارِ وَتُولِجُ النَّهارَ فِي اللَّيْلِ وَتُخْرِجُ الْحَيَّ مِنَ الْمَيِّتِ وَتُخْرِجُ الْمَيِّتَ مِنَ الْحَيِّ وَتَرْزُقُ مَنْ تَشاءُ بِغَيْرِ حِسابٍ" فَلَوْ كَانَ عِيسَى إِلَهًا كَانَ هَذَا إِلَيْهِ، فَكَانَ فِي ذَلِكَ اعْتِبَارٌ وَآيَةٌ بَيِّنَةٌ «١». قَوْلُهُ تَعَالَى:" قُلِ اللَّهُمَّ" اخْتَلَفَ النَّحْوِيُّونَ فِي تَرْكِيبِ لَفْظَةِ" اللَّهُمَّ" بَعْدَ إِجْمَاعِهِمْ أَنَّهَا مَضْمُومَةُ الْهَاءِ مُشَدَّدَةُ الْمِيمِ الْمَفْتُوحَةِ، وَأَنَّهَا مُنَادَى، وَقَدْ جَاءَتْ مُخَفَّفَةَ الْمِيمِ فِي قَوْلِ الْأَعْشَى:

كَدَعْوَةٍ مِنْ أبي رباح ... يسمعها اللهم «٢» الْكُبَارُ

قَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ وَجَمِيعُ الْبَصْرِيِّينَ: إِنَّ أَصْلَ اللَّهُمَّ يَا أَللَّهُ، فَلَمَّا اسْتُعْمِلَتِ الْكَلِمَةُ دُونَ حَرْفِ النِّدَاءِ الَّذِي هُوَ" يَا" جَعَلُوا بَدَلَهُ هَذِهِ الْمِيمَ الْمُشَدَّدَةَ، فَجَاءُوا بِحَرْفَيْنِ وَهُمَا الْمِيمَانِ عِوَضًا مِنْ حَرْفَيْنِ وَهُمَا الْيَاءُ وَالْأَلِفُ، وَالضَّمَّةُ فِي الْهَاءِ هِيَ ضَمَّةُ الِاسْمِ الْمُنَادَى الْمُفْرَدِ. وَذَهَبَ الْفَرَّاءُ وَالْكُوفِيُّونَ إِلَى أَنَّ الْأَصْلَ فِي اللَّهُمَّ يَا أَللَّهُ أُمَّنَا بِخَيْرٍ، فَحَذَفَ وَخَلَطَ الْكَلِمَتَيْنِ، وَإِنَّ الضَّمَّةَ الَّتِي فِي الْهَاءِ هِيَ الضَّمَّةُ الَّتِي كَانَتْ فِي أُمِّنَا لَمَّا حُذِفَتِ الْهَمْزَةُ انْتَقَلَتِ الْحَرَكَةُ. قَالَ النَّحَّاسُ: هَذَا عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ مِنَ الْخَطَأِ الْعَظِيمِ، وَالْقَوْلُ فِي هَذَا مَا قَالَ الْخَلِيلُ وَسِيبَوَيْهِ. قَالَ الزَّجَّاجُ: مُحَالٌ أَنْ يُتْرَكَ الضَّمُّ الَّذِي هُوَ دَلِيلٌ عَلَى النِّدَاءِ الْمُفْرَدِ، وَأَنْ يُجْعَلَ فِي اسْمِ اللَّهِ ضَمَّةُ أُمَّ، هَذَا إِلْحَادٌ فِي اسْمِ اللَّهِ تَعَالَى. قَالَ ابْنُ عَطِيَّةَ: وَهَذَا غُلُوٌّ مِنَ الزَّجَّاجِ، وَزَعَمَ أَنَّهُ مَا سُمِعَ قَطُّ يَا أَللَّهُ أُمَّ، وَلَا تَقُولُ الْعَرَبُ يَا اللَّهُمَّ. وَقَالَ الْكُوفِيُّونَ: إِنَّهُ قَدْ يَدْخُلُ حَرْفُ النِّدَاءِ عَلَى" اللَّهُمَّ" وَأَنْشَدُوا عَلَى ذَلِكَ قَوْلَ الرَّاجِزِ:

غَفَرْتَ أَوْ عَذَّبْتَ يَا اللَّهُمَّا

آخَرُ:

وَمَا عَلَيْكِ أَنْ تَقُولِي كُلَّمَا ... سَبَّحْتِ أَوْ هللت يا اللهم ما «٣»

ارْدُدْ عَلَيْنَا شَيْخنَا مُسَلَّمَا ... فَإِنَّنَا مِنْ خَيْرِهِ لن نعدما


(١). في ب ود: اعتبارا به بينة. [ ..... ]
(٢). هكذا نسخ الأصل ومعاني القرآن للفراء، وفى اللسان: لاهم الكبار، بتخفيف الميم.
(٣). في اللسان: يا اللهما، وما في الأصول ومعاني القرآن ج ١ ص ٢٠٣ والخزانة ج ١ ص ٣٥٨ هو ما أثبتناه.