للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ وَجَدَ عِنْدَها رِزْقاً) إِلَى قَوْلِهِ: (إِنَّكَ سَمِيعُ الدُّعاءِ). فِيهِ أَرْبَعُ مَسَائِلَ: الْأُولَى- قَوْلُهُ تَعَالَى: (كُلَّما دَخَلَ عَلَيْها زَكَرِيَّا الْمِحْرابَ) الْمِحْرَابُ فِي اللُّغَةِ أَكْرَمُ مَوْضِعٍ فِي الْمَجْلِسِ. وَسَيَأْتِي لَهُ مَزِيدُ بَيَانٍ فِي سُورَةِ" مَرْيَمَ" «١». وَجَاءَ فِي الْخَبَرِ: إِنَّهَا كَانَتْ فِي غُرْفَةٍ كَانَ زَكَرِيَّا يَصْعَدُ إِلَيْهَا بِسُلَّمٍ. قَالَ وَضَّاحُ الْيَمَنِ «٢»:

رَبَّةُ مِحْرَابٍ إِذَا جِئْتُهَا ... لَمْ أَلْقَهَا حَتَّى أَرْتَقِي سُلَّمًا

أَيْ رَبَّةُ غُرْفَةٍ. رَوَى أَبُو صَالِحٍ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: حَمَلَتِ امْرَأَةُ عِمْرَانَ بعد ما أَسَنَّتْ فَنَذَرَتْ مَا فِي بَطْنِهَا مُحَرَّرًا فَقَالَ لَهَا عِمْرَانُ: وَيْحَكِ! مَا صَنَعْتِ؟ أَرَأَيْتِ إِنْ كَانَتْ أُنْثَى؟ فَاغْتَمَّا لِذَلِكَ جَمِيعًا. فَهَلَكَ عِمْرَانُ وَحَنَّةُ حَامِلٌ فَوَلَدَتْ أُنْثَى فَتَقَبَّلَهَا اللَّهُ بِقَبُولٍ حَسَنٍ، وَكَانَ لَا يُحَرَّرُ إِلَّا الْغِلْمَانُ فَتَسَاهَمَ عَلَيْهَا الْأَحْبَارُ بِالْأَقْلَامِ الَّتِي يَكْتُبُونَ بِهَا الْوَحْيَ، عَلَى مَا يَأْتِي. فَكَفَلَهَا زَكَرِيَّا وَأَخَذَ لَهَا مَوْضِعًا فَلَمَّا أَسَنَّتْ جَعَلَ لَهَا مِحْرَابًا لَا يُرْتَقَى إِلَيْهِ إِلَّا بِسُلَّمٍ، وَاسْتَأْجَرَ لَهَا ظِئْرًا وَكَانَ يُغْلِقُ عَلَيْهَا بَابًا، وَكَانَ لَا يَدْخُلُ عَلَيْهَا إِلَّا زَكَرِيَّا حَتَّى كَبِرَتْ، فَكَانَتْ إِذَا حَاضَتْ أَخْرَجَهَا إِلَى مَنْزِلِهِ فَتَكُونُ عِنْدَ خَالَتِهَا وَكَانَتْ خَالَتُهَا امْرَأَةَ زَكَرِيَّا فِي قَوْلِ الْكَلْبِيِّ. قَالَ مُقَاتِلٌ: كَانَتْ أُخْتُهَا امْرَأَةَ زَكَرِيَّا. وَكَانَتْ إِذَا طَهُرَتْ مِنْ حَيْضَتِهَا وَاغْتَسَلَتْ رَدَّهَا إِلَى الْمِحْرَابِ. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: كَانَتْ لَا تَحِيضُ وَكَانَتْ مُطَهَّرَةً مِنَ الْحَيْضِ. وَكَانَ زَكَرِيَّا إِذَا دَخَلَ عَلَيْهَا يَجِدُ عِنْدَهَا فَاكِهَةَ الشِّتَاءِ فِي الْقَيْظِ وَفَاكِهَةَ الْقَيْظِ فِي الشِّتَاءِ فَقَالَ: يَا مَرْيَمُ أَنَّى لَكِ هَذَا؟ فَقَالَتْ: هُوَ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ. فَعِنْدَ ذَلِكَ طَمِعَ زَكَرِيَّا فِي الْوَلَدِ وَقَالَ: إِنَّ الَّذِي يَأْتِيهَا بِهَذَا قَادِرٌ أَنْ يَرْزُقَنِي وَلَدًا. وَمَعْنَى" أَنَّى" مِنْ أَيْنَ، قَالَهُ أبو عبيدة. قال النحاس: وهذا


(١). راجع ج ١١ ص ٨٤.
(٢). في الأصول:" قال عدى بن زيد" والتصويب عن الأغاني ولسان العرب وشرح القاموس. وهذا البيت من قصيدة لوضاح اليمن أولها:
يا ابنة الواحد جودي فما ... إن تصرمينى فبما أو لما
وفي د: لم أدن. مراجع ترجمته في الأغاني ج ٦ ص ٢٤٠ - ٢٠٩ طبع دار الكتب المصرية