للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابْنَةِ فِرْعَوْنَ وَأَوْلَادُهَا سَقَطَ مُشْطُهَا مِنْ يَدَيْهَا فقالت: بسم الله فقالت ابْنَةُ فِرْعَوْنَ: أَبِي؟ قَالَتْ: رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أبيك. قالت: أو لك رَبٌّ غَيْرُ أَبِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ رَبِّي وَرَبُّكِ وَرَبُّ أَبِيكِ اللَّهُ- قَالَ- فَدَعَاهَا فِرْعَوْنُ فَقَالَ: أَلَكِ رَبٌّ غَيْرِي؟ قَالَتْ: نَعَمْ رَبِّي وَرَبُّكَ اللَّهُ- قَالَ- فَأَمَرَ بِنُقْرَةٍ مِنْ نُحَاسٍ فَأُحْمِيَتْ ثُمَّ أَمَرَ بِهَا لِتُلْقَى فِيهَا قَالَتْ: إِنَّ لِي إِلَيْكَ حَاجَةً قَالَ: مَا هِيَ؟ قَالَتْ: تَجْمَعُ عِظَامِي وَعِظَامَ وَلَدِي فِي مَوْضِعٍ وَاحِدٍ قَالَ: ذَاكَ لَكِ لِمَا لَكِ عَلَيْنَا مِنَ الْحَقِّ. فَأَمَرَ «١» بِهِمْ فَأُلْقُوا وَاحِدًا بَعْدَ وَاحِدٍ حَتَّى بَلَغَ رَضِيعًا فِيهِمْ فَقَالَ قَعِيَ يَا أُمَّهُ وَلَا تَقَاعَسِي فَإِنَّا عَلَى الْحَقِّ- قَالَ- وَتَكَلَّمَ أَرْبَعَةٌ وَهُمْ صِغَارٌ: هَذَا وَشَاهِدُ يُوسُفَ وصاحب جريج وعيسى ابن مريم.

[[سورة آل عمران (٣): آية ٤٧]]

قالَتْ رَبِّ أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ قالَ كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ إِذا قَضى أَمْراً فَإِنَّما يَقُولُ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ (٤٧)

قَوْلُهُ تَعَالَى: (قالَتْ رَبِّ) أَيْ يَا سَيِّدِي. تُخَاطِبُ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ، لِأَنَّهُ لَمَّا تَمَثَّلَ لَهَا قَالَ لَهَا: إِنَّمَا أَنَا رَسُولُ رَبِّكِ لِيَهَبَ لَكِ غُلَامًا زَكِيًّا. فَلَمَّا سَمِعَتْ ذَلِكَ مِنْ قَوْلِهِ اسْتَفْهَمَتْ عَنْ طَرِيقِ الْوَلَدِ فَقَالَتْ: أَنَّى يَكُونُ لِي وَلَدٌ وَلَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ؟ أَيْ بِنِكَاحٍ. [فِي سُورَتِهَا] «٢» " وَلَمْ أَكُ «٣» بَغِيًّا" [مريم: ٢٠] ذَكَرَتْ هَذَا تَأْكِيدًا، لِأَنَّ قَوْلَهَا" لَمْ يَمْسَسْنِي بَشَرٌ" يَشْمَلُ الْحَرَامَ وَالْحَلَالَ. تَقُولُ: الْعَادَةُ الْجَارِيَةُ الَّتِي أَجْرَاهَا اللَّهُ فِي خَلْقِهِ أَنَّ الْوَلَدَ لَا يَكُونُ إِلَّا عَنْ نِكَاحٍ أَوْ سِفَاحٍ. وَقِيلَ: مَا اسْتَبْعَدَتْ مِنْ قُدْرَةِ اللَّهِ تَعَالَى شَيْئًا، وَلَكِنْ أَرَادَتْ كَيْفَ يَكُونُ هَذَا الْوَلَدُ: أمن قبل زوج في المستقبل أم يحلقه اللَّهُ ابْتِدَاءً؟ فَرُوِيَ أَنَّ جِبْرِيلَ عَلَيْهِ السَّلَامُ حِينَ قَالَ لَهَا:" كَذلِكِ اللَّهُ يَخْلُقُ مَا يَشاءُ"" قالَ كَذلِكَ قالَ رَبُّكَ هُوَ عَلَيَّ هَيِّنٌ" [مريم: ٩]. نَفَخَ فِي جَيْبِ دِرْعِهَا وَكُمِّهَا، قَالَهُ ابْنُ جُرَيْجٍ. قَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ: أَخَذَ جِبْرِيلُ رُدْنَ «٤» قَمِيصِهَا بِأُصْبُعِهِ فَنَفَخَ فِيهِ فَحَمَلَتْ مِنْ سَاعَتِهَا بِعِيسَى. وَقِيلَ غَيْرُ ذَلِكَ عَلَى مَا يَأْتِي بَيَانُهُ فِي سُورَتِهَا إِنْ شَاءَ اللَّهُ تَعَالَى. وَقَالَ بَعْضُهُمْ: وَقَعَ نَفْخُ جِبْرِيلَ فِي رحمها فعلقت


(١). يبدو هنا سقط في كل الأصول، فقوله: واحدا بعد واحد من قصة أصحاب الأخدود لأصله له بما قبله. راجع ج ١٩ ص ٢٨٦.
(٢). الزيادة في نخ: ب. ود. أي في سورة مريم" وَلَمْ أَكُ بَغِيًّا".
(٣). راجع ج ١١ ص ٩١.
(٤). الردن (بالضم) أصل أصل الكم.