للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَكِنَّهُ جَعَلَ التُّرَابَ طِينًا ثُمَّ جَعَلَهُ صَلْصَالًا ثُمَّ خَلَقَهُ مِنْهُ، فَكَذَلِكَ عِيسَى حَوَّلَهُ مِنْ حَالٍ إِلَى حَالٍ، ثُمَّ جَعَلَهُ بَشَرًا مِنْ غَيْرِ أَبٍ. وَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ بِسَبَبِ وَفْدِ نَجْرَانَ حِينَ أَنْكَرُوا عَلَى النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَوْلَهُ: (إِنَّ عِيسَى عَبْدُ اللَّهِ وَكَلِمَتُهُ) فَقَالُوا: أَرِنَا عَبْدًا خُلِقَ مِنْ غَيْرِ أَبٍ، فَقَالَ لَهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (آدَمُ مَنْ كَانَ أَبُوهُ أَعَجِبْتُمْ مِنْ عِيسَى لَيْسَ لَهُ أَبٌ؟ فَآدَمُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَيْسَ لَهُ أَبٌ وَلَا أُمٌّ). فَذَلِكَ قَوْلُهُ تَعَالَى:" وَلا يَأْتُونَكَ بِمَثَلٍ" أَيْ فِي عِيسَى" إِلَّا جِئْناكَ بِالْحَقِّ" فِي آدَمَ" وَأَحْسَنَ تَفْسِيراً" [الفرقان: ٣٣] «١». وَرُوِيَ أَنَّهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ لَمَّا دَعَاهُمْ إِلَى الْإِسْلَامِ قَالُوا: قَدْ كُنَّا مُسْلِمِينَ قَبْلَكَ. فَقَالَ: (كَذَبْتُمْ يَمْنَعُكُمْ مِنَ الْإِسْلَامِ ثَلَاثٌ: قَوْلُكُمُ اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا، وَأَكْلُكُمُ الْخِنْزِيرَ، وَسُجُودُكُمْ لِلصَّلِيبِ). فَقَالُوا: مَنْ أَبُو عِيسَى؟ فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى:" إِنَّ مَثَلَ عِيسى عِنْدَ اللَّهِ كَمَثَلِ آدَمَ خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ" إلى قوله:" فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ" [آل عمران: ٦١]. فَدَعَاهُمُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، فَقَالَ يعضهم لِبَعْضٍ: إِنْ فَعَلْتُمُ اضْطَرَمَ الْوَادِي عَلَيْكُمْ نَارًا. فَقَالُوا: أَمَا تَعْرِضُ عَلَيْنَا سِوَى هَذَا؟ فَقَالَ: (الْإِسْلَامُ أَوِ الْجِزْيَةُ أَوِ الْحَرْبُ) فَأَقَرُّوا بِالْجِزْيَةِ عَلَى مَا يَأْتِي. وَتَمَّ الْكَلَامُ عِنْدَ قَوْلِهِ" آدَمَ". ثُمَّ قَالَ:" خَلَقَهُ مِنْ تُرابٍ ثُمَّ قالَ لَهُ كُنْ فَيَكُونُ" أَيْ فَكَانَ؟. وَالْمُسْتَقْبَلُ يَكُونُ فِي مَوْضِعِ الْمَاضِي إِذَا عُرِفَ الْمَعْنَى. قَالَ الْفَرَّاءُ: (الْحَقُّ مِنْ رَبِّكَ) مَرْفُوعٌ بِإِضْمَارٍ هُوَ. أَبُو عُبَيْدَةَ: هُوَ اسْتِئْنَافُ كَلَامٍ وَخَبَرُهُ فِي قَوْلِهِ" مِنْ رَبِّكَ". وَقِيلَ هُوَ فَاعِلٌ، أَيْ جَاءَكَ الْحَقُّ." (فَلا تَكُنْ مِنَ الْمُمْتَرِينَ) " الْخِطَابُ لِلنَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَالْمُرَادُ أُمَّتُهُ، لِأَنَّهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لَمْ يَكُنْ شَاكًّا فِي أَمْرِ عِيسَى عَلَيْهِ السَّلَامُ.

[[سورة آل عمران (٣): آية ٦١]]

فَمَنْ حَاجَّكَ فِيهِ مِنْ بَعْدِ مَا جاءَكَ مِنَ الْعِلْمِ فَقُلْ تَعالَوْا نَدْعُ أَبْناءَنا وَأَبْناءَكُمْ وَنِساءَنا وَنِساءَكُمْ وَأَنْفُسَنا وَأَنْفُسَكُمْ ثُمَّ نَبْتَهِلْ فَنَجْعَلْ لَعْنَتَ اللَّهِ عَلَى الْكاذِبِينَ (٦١)


(١). راجع ج ١٣ ص ٢٨.