للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

زَيْدَ بْنَ أَرْقَمَ فَقُلْتُ لَهُ: كَمْ غَزَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ قال تسع عشرة غزوة. فقلت: فكم غزوه أَنْتَ مَعَهُ؟ فَقَالَ: سَبْعَ عَشْرَةَ غَزْوَةً. قَالَ فَقُلْتُ: فَمَا أَوَّلُ غَزْوَةٍ غَزَاهَا؟ قَالَ: ذَاتُ الْعَسِيرِ أَوِ الْعَشِيرِ. وَهَذَا كُلُّهُ مُخَالِفٌ لِمَا عَلَيْهِ أَهْلُ التَّوَارِيخِ وَالسِّيَرِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ فِي كِتَابِ الطَّبَقَاتِ لَهُ: إِنَّ غَزَوَاتِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ سَبْعَ وَعِشْرُونَ غَزْوَةً، وَسَرَايَاهُ سِتٌّ وَخَمْسُونَ، وَفِي رِوَايَةٍ سِتٌّ وَأَرْبَعُونَ، «١» وَالَّتِي قَاتَلَ فِيهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَدْرٌ وَأُحُدٌ وَالْمُرَيْسِيعُ والخندق وخيبر وقريظة والفتح وَالطَّائِفُ. قَالَ ابْنُ سَعْدٍ: هَذَا الَّذِي اجْتَمَعَ لَنَا عَلَيْهِ. وَفِي بَعْضِ الرِّوَايَاتِ أَنَّهُ قَاتَلَ فِي بَنِي النَّضِيرِ وَفِي وَادِي الْقُرَى مُنْصَرَفِهِ مِنْ خَيْبَرَ وَفِي الْغَابَةِ «٢». وَإِذَا تَقَرَّرَ هَذَا فَنَقُولُ: زَيْدٌ وَبُرَيْدَةُ إِنَّمَا أَخْبَرَ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا بِمَا فِي عِلْمِهِ أَوْ شَاهَدَهُ. وَقَوْلُ زَيْدٍ:" إِنَّ أَوَّلَ غَزَاةٍ غَزَاهَا ذَاتُ الْعَسِيرَةِ" مُخَالِفٌ أَيْضًا لِمَا قَالَ أَهْلُ التَّوَارِيخِ وَالسِّيَرِ. قَالَ مُحَمَّدُ بْنُ سَعْدٍ: كَانَ قَبْلَ غَزْوَةِ الْعَشِيرَةِ ثَلَاثُ غَزَوَاتٍ، يَعْنِي غَزَاهَا بِنَفْسِهِ. وَقَالَ ابْنُ عَبْدِ الْبَرِّ فِي كِتَابِ الدُّرَرِ فِي الْمَغَازِي وَالسِّيَرِ. أَوَّلُ غَزَاةٍ غَزَاهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ غَزْوَةُ وَدَّانَ «٣» غَزَاهَا بِنَفْسِهِ فِي صَفَرٍ، وَذَلِكَ أَنَّهُ وَصَلَ إِلَى الْمَدِينَةِ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ لَيْلَةً خَلَتْ مِنْ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، أَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ رَبِيعٍ الْأَوَّلِ، وَبَاقِي الْعَامِ كُلِّهِ. إِلَى صَفَرٍ مِنْ سَنَةِ اثْنَتَيْنِ من الهجرة: ثم حرج فِي صَفَرٍ الْمَذْكُورِ وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ سَعْدَ بْنَ عُبَادَةَ حَتَّى بَلَغَ وَدَّانَ فَوَادَعَ «٤» بَنِي ضَمْرَةَ، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى الْمَدِينَةِ وَلَمْ يَلْقَ حَرْبًا، وَهِيَ الْمُسَمَّاةُ بِغَزْوَةِ الْأَبْوَاءِ. ثُمَّ أَقَامَ بِالْمَدِينَةِ إِلَى [شَهْرِ] رَبِيعٍ الْآخَرِ مِنَ السَّنَةِ الْمَذْكُورَةِ، ثُمَّ خَرَجَ فِيهَا وَاسْتَعْمَلَ عَلَى الْمَدِينَةِ السَّائِبَ بْنَ عُثْمَانَ بْنِ مَظْعُونٍ حَتَّى بَلَغَ بَوَاطَ «٥» مِنْ نَاحِيَةِ رَضْوَى «٦»، ثُمَّ رَجَعَ إِلَى المدينة


(١). الذي في كتاب الطبقات لابن سعد:" وكانت سراياه التي بعث بها سبعا وأربعين سرية".
(٢). الغابة: موضع قرب المدينة من ناحية الشام.
(٣). ودان (بفتح الواو وشد المهملة): قرية جامعة من أمهات القرى من عمل الفرع. وقيل: واد في الطريق يقطعه المصعدون من حجاج المدينة. (عن شرح المواهب).
(٤). الموادعة: المصالحة.
(٥). بواط (بفتح الموحدة وقد تضم وتخفيف الواو وآخره طاء مهملة): جبل من جبال جهينة بقرب ينبع على أربعة برد من المدينة.
(٦). رضوى (بفتح الراء وسكون المعجمة مقصور): جبل بالمدينة، وهو على مسيرة يوم من ينبع وعلى سبع مراحل من المدينة.