للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَلَمْ يَلْقَ حَرْبًا، ثُمَّ أَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ رَبِيعٍ الْآخَرِ وَبَعْضَ جُمَادَى الْأُولَى، ثُمَّ خَرَجَ غَازِيًا وَاسْتَخْلَفَ عَلَى الْمَدِينَةِ أَبَا سَلَمَةَ بْنَ عَبْدِ الْأَسَدِ، وَأَخَذَ عَلَى طَرِيقِ مِلْكٍ «١» إِلَى الْعُسَيْرَةِ. قُلْتُ: ذَكَرَ ابْنُ إِسْحَاقَ عَنْ عَمَّارِ بْنِ يَاسِرٍ قَالَ: كُنْتُ أَنَا وَعَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رَفِيقَيْنِ فِي غَزْوَةِ الْعُشَيْرَةِ مِنْ بَطْنِ يَنْبُعَ فَلَمَّا نَزَلَهَا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَقَامَ بِهَا شَهْرًا فَصَالَحَ بِهَا بَنِي مُدْلِجٍ وَحُلَفَاءَهُمْ مِنْ بَنِي ضَمْرَةَ فَوَادَعَهُمْ، فَقَالَ لِي عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ: هَلْ لَكَ أَبَا الْيَقْظَانِ أَنْ تَأْتِيَ هَؤُلَاءِ؟ نَفَرٌ مِنْ بَنِي مُدْلِجٍ يَعْمَلُونَ فِي عَيْنٍ لَهُمْ نَنْظُرَ كَيْفَ يَعْمَلُونَ. فَأَتَيْنَاهُمْ فَنَظَرْنَا إِلَيْهِمْ سَاعَةً ثُمَّ غَشِيَنَا النَّوْمُ فَعَمَدْنَا إِلَى صَوْرٍ «٢» مِنَ النَّخْلِ فِي دَقْعَاءَ مِنَ الْأَرْضِ فَنِمْنَا فيه، فو الله مَا أَهَبَّنَا إِلَّا رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِقَدَمِهِ، فَجَلَسْنَا وَقَدْ تَتَرَّبْنَا مِنْ تِلْكَ الدَّقْعَاءِ فَيَوْمَئِذٍ قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ لِعَلِيٍّ: (مَا بَالُكَ يَا أَبَا تُرَابٍ)، فَأَخْبَرْنَاهُ بِمَا كَانَ مِنْ أَمْرِنَا فَقَالَ: (أَلَا أُخْبِرُكُمْ بِأَشْقَى النَّاسِ رَجُلَيْنِ) قُلْنَا: بَلَى يَا رَسُولَ اللَّهِ، فَقَالَ: (أُحَيْمِرُ ثَمُودَ الَّذِي عَقَرَ النَّاقَةَ وَالَّذِي يَضْرِبُكَ يَا عَلِيُّ عَلَى هَذِهِ- وَوَضَعَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَدَهُ عَلَى رَأْسِهِ- حَتَّى يَبَلَّ مِنْهَا هَذِهِ) وَوَضَعَ يَدَهُ عَلَى لِحْيَتِهِ. فَقَالَ أَبُو عُمَرَ: فَأَقَامَ بِهَا بَقِيَّةَ جُمَادَى الْأُولَى وَلَيَالِيَ مِنْ جُمَادَى الْآخِرَةِ، وَوَادَعَ فِيهَا بَنِي مُدْلِجٍ ثُمَّ رَجَعَ وَلَمْ يَلْقَ حَرْبًا. ثُمَّ كَانَتْ بَعْدَ ذَلِكَ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْأُولَى بِأَيَّامٍ قَلَائِلَ، هَذَا الَّذِي لَا يَشُكُّ فِيهِ أَهْلُ التَّوَارِيخِ وَالسِّيَرِ، فَزَيْدُ بْنُ أَرْقَمَ إِنَّمَا أَخْبَرَ عَمَّا عِنْدَهُ. وَاللَّهُ أَعْلَمُ. وَيُقَالُ: ذَاتٌ الْعُسَيْرِ بِالسِّينِ وَالشِّينِ، وَيُزَادُ عَلَيْهَا هَاءٌ فَيُقَالُ: الْعُشَيْرَةُ. ثُمَّ غَزْوَةُ بَدْرٍ الْكُبْرَى وَهِيَ أَعْظَمُ الْمَشَاهِدِ فَضْلًا لِمَنْ شَهِدَهَا، وَفِيهَا أَمَدَّ اللَّهُ بِمَلَائِكَتِهِ نَبِيَّهُ وَالْمُؤْمِنِينَ فِي قَوْلِ جَمَاعَةِ الْعُلَمَاءِ، وَعَلَيْهِ يَدُلُّ ظَاهِرُ الْآيَةِ، لَا فِي يَوْمِ أُحُدٍ. وَمَنْ قَالَ: إِنَّ ذَلِكَ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍ جَعَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى:" وَلَقَدْ نَصَرَكُمُ اللَّهُ بِبَدْرٍ" إِلَى قَوْلِهِ:" تَشْكُرُونَ"؟؟ اعْتِرَاضًا بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ. هَذَا قول عامر الشعبي، وخالفه الناس. تظاهرت الرِّوَايَاتُ بِأَنَّ الْمَلَائِكَةَ حَضَرَتْ يَوْمَ بَدْرٍ وَقَاتَلَتْ، ومن ذلك قول أبي أسيد مالك بن ربيعة وكان شهيد


(١). ملك (بالكسر ثم السكون والكاف): واد بمكة.
(٢). الصور جماعة النخل الصغار، لا واحد له من لفظه. الدقعاء: التراب.