للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

اقْتَحَمَ عَلَيْهَا فَدَفَعَتْ عَنْ نَفْسِهَا فَقَبَّلَ يَدَهَا، فَنَدِمَ «١» عَلَى ذَلِكَ فَخَرَجَ يَسِيحُ فِي الْأَرْضِ نَادِمًا تَائِبًا، فَجَاءَ الثَّقَفِيُّ فَأَخْبَرَتْهُ زَوْجَتُهُ بِفِعْلِ صَاحِبِهِ، فَخَرَجَ فِي طَلَبِهِ فَأَتَى بِهِ إِلَى أَبِي بَكْرٍ وَعُمْرَ رَجَاءَ أَنْ يَجِدَ عِنْدَهُمَا فَرَجًا فَوَبَّخَاهُ، فَأَتَى النَّبِيَّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَخْبَرَهُ بِفِعْلِهِ، فَنَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَالْعُمُومُ أَوْلَى لِلْحَدِيثِ. وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ أَنَّ الصَّحَابَةَ قَالُوا: يَا رَسُولَ اللَّهِ، كَانَتْ بَنُو إِسْرَائِيلَ أَكْرَمَ عَلَى اللَّهِ مِنَّا، حَيْثُ كَانَ الْمُذْنِبُ مِنْهُمْ تُصْبِحُ عُقُوبَتُهُ [مَكْتُوبَةً] «٢» عَلَى بَابِ دَارِهِ، وَفِي رِوَايَةٍ: كَفَّارَةُ ذَنْبِهِ مَكْتُوبَةٌ عَلَى عَتَبَةِ دَارِهِ: اجْدَعْ أَنْفَكَ، اقْطَعْ أُذُنَكَ، افْعَلْ كَذَا، فَأَنْزَلَ اللَّهُ تَعَالَى هَذِهِ الْآيَةَ تَوْسِعَةً وَرَحْمَةً وَعِوَضًا مِنْ ذَلِكَ الْفِعْلِ بِبَنِي إِسْرَائِيلَ. وَيُرْوَى أَنَّ إِبْلِيسَ بَكَى حِينَ نَزَلَتْ هَذِهِ الْآيَةُ. وَالْفَاحِشَةُ تُطْلَقُ عَلَى كُلِّ مَعْصِيَةٍ، وَقَدْ كَثُرَ اخْتِصَاصُهَا بِالزِّنَا حَتَّى فَسَّرَ جَابِرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ وَالسُّدِّيُّ هَذِهِ الْآيَةَ بِالزِّنَا. وَ" أَوْ" فِي قَوْلِهِ:" أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ" قِيلَ هِيَ بِمَعْنَى الْوَاوِ، وَالْمُرَادُ مَا دُونَ الْكَبَائِرِ. (ذَكَرُوا اللَّهَ) مَعْنَاهُ بِالْخَوْفِ مِنْ عِقَابِهِ وَالْحَيَاءِ مِنْهُ. الضَّحَّاكُ: ذَكَرُوا الْعَرْضَ الْأَكْبَرَ عَلَى اللَّهِ. وَقِيلَ تَفَكَّرُوا فِي أَنْفُسِهِمْ أَنَّ اللَّهَ سَائِلُهُمْ عَنْهُ، قَالَهُ الْكَلْبِيُّ وَمُقَاتِلٌ. وَعَنْ مُقَاتِلٍ أَيْضًا: ذَكَرُوا اللَّهَ بِاللِّسَانِ عِنْدَ الذُّنُوبِ. (فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ) أَيْ طَلَبُوا الْغُفْرَانَ لِأَجْلِ ذُنُوبِهِمْ. وَكُلُّ دُعَاءٍ فِيهِ هَذَا الْمَعْنَى أَوْ لَفْظُهُ فَهُوَ اسْتِغْفَارٌ. وَقَدْ تَقَدَّمَ فِي صَدْرِ هَذِهِ السُّورَةِ «٣» سَيِّدُ الِاسْتِغْفَارِ، وَأَنَّ وَقْتَهُ الْأَسْحَارُ. فَالِاسْتِغْفَارُ عَظِيمٌ وَثَوَابُهُ جَسِيمٌ، حَتَّى لَقَدْ رَوَى التِّرْمِذِيُّ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ قَالَ أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ الَّذِي لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْحَيَّ الْقَيُّومَ وَأَتُوبُ إِلَيْهِ غُفِرَ لَهُ. وَإِنْ كَانَ قَدْ فَرَّ مِنَ الزَّحْفِ (. وَرَوَى مَكْحُولٌ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ اسْتِغْفَارًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ مَكْحُولٌ: مَا رَأَيْتُ أَكْثَرَ اسْتِغْفَارًا مِنْ أَبِي هُرَيْرَةَ. وَكَانَ مَكْحُولٌ كَثِيرَ الِاسْتِغْفَارِ. قَالَ عُلَمَاؤُنَا: الِاسْتِغْفَارُ الْمَطْلُوبُ هُوَ الَّذِي يَحُلُّ عُقَدَ الْإِصْرَارِ وَيَثْبُتُ مَعْنَاهُ فِي الْجَنَانِ، لَا التَّلَفُّظُ بِاللِّسَانِ. فَأَمَّا مَنْ قَالَ بِلِسَانِهِ: أَسْتَغْفِرُ اللَّهَ، وَقَلْبُهُ مُصِرٌّ عَلَى مَعْصِيَتِهِ فَاسْتِغْفَارُهُ ذَلِكَ يَحْتَاجُ إِلَى اسْتِغْفَارٍ، وَصَغِيرَتُهُ لَاحِقَةٌ بِالْكَبَائِرِ. وَرُوِيَ عَنِ الْحَسَنِ الْبَصْرِيِّ أَنَّهُ قَالَ: اسْتِغْفَارُنَا يحتاج إلى استغفار.


(١). في ب ود وهـ: ثم.
(٢). كذا في ابن عطية، وهى الرواية.
(٣). راجع ص ٣٨.