للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ابن صُوحَانَ. وَقُتِلَ عَمَّارُ بْنُ يَاسِرٍ بِصِفِّينَ وَلَمْ يُغَسِّلْهُ عَلِيٌّ. وَلِلشَّافِعِيِّ قَوْلَانِ: أَحَدُهُمَا- يُغَسَّلُ كَجَمِيعِ الْمَوْتَى إِلَّا مَنْ قَتَلَهُ أَهْلُ الْحَرْبِ، وَهَذَا قَوْلُ مَالِكٍ. قَالَ مَالِكٌ: لَا يُغَسَّلُ مَنْ قتله الكفار ومات في المعترك. وكان مَقْتُولٍ غَيْرِ قَتِيلِ الْمُعْتَرَكِ- قَتِيلِ الْكُفَّارِ- فَإِنَّهُ يُغَسَّلُ وَيُصَلَّى عَلَيْهِ. وَهَذَا قَوْلُ أَحْمَدَ بْنِ حَنْبَلٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ. وَالْقَوْلُ الْآخَرُ لِلشَّافِعِيِّ- لَا يُغَسَّلُ قَتِيلُ الْبُغَاةِ. وَقَوْلُ مَالِكٍ أَصَحُّ، فَإِنَّ غُسْلَ الْمَوْتَى قَدْ ثَبَتَ بِالْإِجْمَاعِ وَنَقْلِ الْكَافَّةِ. فَوَاجِبٌ غُسْلُ كُلِّ مَيِّتٍ إِلَّا مَنْ أَخْرَجَهُ إِجْمَاعٌ أَوْ سُنَّةٌ ثَابِتَةٌ. وَبِاللَّهِ التَّوْفِيقُ. الْخَامِسَةُ- الْعَدُوُّ إِذَا صَبَّحَ قَوْمًا فِي مَنْزِلِهِمْ وَلَمْ يَعْلَمُوا بِهِ فَقَتَلَ مِنْهُمْ فَهَلْ يَكُونُ حُكْمُهُ حُكْمَ قَتِيلِ الْمُعْتَرَكِ، أَوْ حُكْمَ سَائِرِ الْمَوْتَى، وَهَذِهِ الْمَسْأَلَةُ نَزَلَتْ عِنْدَنَا بِقُرْطُبَةَ أَعَادَهَا الله: أغار العدوقصمه اللَّهُ- صَبِيحَةَ الثَّالِثِ مِنْ رَمَضَانَ الْمُعَظَّمِ سَنَةَ سَبْعٍ وَعِشْرِينَ وَسِتِّمِائَةِ وَالنَّاسُ فِي أَجْرَانِهِمْ عَلَى غَفْلَةٍ، فَقَتَلَ وَأَسَرَ، وَكَانَ مِنْ جُمْلَةِ مَنْ قُتِلَ وَالِدِي رَحِمَهُ اللَّهُ، فَسَأَلْتُ شَيْخَنَا الْمُقْرِئَ الْأُسْتَاذَ أَبَا جَعْفَرٍ أَحْمَدَ الْمَعْرُوفَ بِأَبِي «١» حِجَّةَ فقال، غسله وصلي عَلَيْهِ، فَإِنَّ أَبَاكَ لَمْ يُقْتَلْ فِي الْمُعْتَرَكِ بَيْنَ الصَّفَّيْنِ. ثُمَّ سَأَلْتُ شَيْخَنَا رَبِيعَ بْنَ عَبْدِ الرَّحْمَنِ بْنِ أَحْمَدَ بْنِ رَبِيعِ بْنِ أُبَيٍّ فَقَالَ: إِنَّ حُكْمَهُ حُكْمُ الْقَتْلَى فِي الْمُعْتَرَكِ. ثُمَّ سَأَلْتُ قَاضِيَ الْجَمَاعَةِ أَبَا الْحَسَنِ عَلِيَّ بْنَ قَطْرَالٍ وَحَوْلَهُ جَمَاعَةٌ مِنَ الْفُقَهَاءِ فَقَالُوا: غَسِّلْهُ وَكَفِّنْهُ وَصَلِّ عَلَيْهِ، فَفَعَلْتُ. ثُمَّ بَعْدَ ذَلِكَ وَقَفْتُ عَلَى الْمَسْأَلَةِ فِي" التَّبْصِرَةِ" لِأَبِي الْحَسَنِ اللَّخْمِيِّ وَغَيْرِهَا. وَلَوْ كَانَ ذَلِكَ قَبْلَ ذَلِكَ مَا غَسَّلْتُهُ، وَكُنْتُ دَفَنْتُهُ بِدَمِهِ فِي ثِيَابِهِ. السَّادِسَةُ- هَذِهِ الْآيَةُ تَدُلُّ عَلَى عَظِيمِ ثَوَابِ الْقَتْلِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَالشَّهَادَةِ فِيهِ حَتَّى إِنَّهُ يُكَفِّرُ الذُّنُوبَ، كَمَا قَالَ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْقَتْلُ فِي سَبِيلِ الله يكفر كل شي إِلَّا الدَّيْنَ كَذَلِكَ قَالَ لِي جِبْرِيلُ عَلَيْهِ السَّلَامُ آنِفًا). قَالَ عُلَمَاؤُنَا ذِكْرُ الدَّيْنِ تَنْبِيهٌ عَلَى مَا فِي مَعْنَاهُ مِنَ الْحُقُوقِ الْمُتَعَلِّقَةِ بِالذِّمَمِ، كَالْغَصْبِ وَأَخْذِ الْمَالِ بِالْبَاطِلِ وَقَتْلِ الْعَمْدِ وَجِرَاحِهِ وَغَيْرِ ذَلِكَ مِنَ التَّبِعَاتِ، فَإِنَّ كُلَّ هَذَا أَوْلَى أَلَّا يُغْفَرَ بِالْجِهَادِ مِنَ الدَّيْنِ فإنه أشد، والقصاص في هذا


(١). في ج:" بابن حجة".