للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الزجاج: وهي مثل" وَسْئَلِ الْقَرْيَةَ". وَ" هُوَ" فِي قَوْلِهِ" هُوَ خَيْراً لَهُمْ" فَاصِلَةٌ عِنْدَ الْبَصْرِيِّينَ. وَهِيَ الْعِمَادُ عِنْدَ الْكُوفِيِّينَ. قَالَ النَّحَّاسُ: وَيَجُوزُ فِي الْعَرَبِيَّةِ" هُوَ خَيْرٌ لَهُمْ" ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ. الثَّانِيَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (بَلْ هُوَ شَرٌّ لَهُمْ) ابْتِدَاءٌ وَخَبَرٌ، أَيِ الْبُخْلُ شَرٌّ لَهُمْ. وَالسِّينُ فِي" سَيُطَوَّقُونَ" سِينُ الْوَعِيدِ، أَيْ سَوْفَ يُطَوَّقُونَ، قَالَهُ الْمُبَرِّدُ. وَهَذِهِ الْآيَةُ نَزَلَتْ فِي الْبُخْلِ بِالْمَالِ وَالْإِنْفَاقِ فِي سَبِيلِ اللَّهِ، وَأَدَاءِ الزَّكَاةِ الْمَفْرُوضَةِ. وَهَذِهِ كَقَوْلِهِ:" وَلا يُنْفِقُونَها فِي سَبِيلِ اللَّهِ" [التوبة: ٣٤] الْآيَةَ. ذَهَبَ إِلَى هَذَا جَمَاعَةٌ مِنَ الْمُتَأَوِّلِينَ، مِنْهُمُ ابْنُ مَسْعُودٍ وَابْنُ عَبَّاسٍ وَأَبُو وَائِلٍ وَأَبُو مَالِكٍ وَالسُّدِّيُّ وَالشَّعْبِيُّ قَالُوا: وَمَعْنَى (سَيُطَوَّقُونَ مَا بَخِلُوا بِهِ) هُوَ الَّذِي وَرَدَ فِي الْحَدِيثِ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قَالَ: (مَنْ آتَاهُ اللَّهُ مَالًا فَلَمْ يُؤَدِّ زَكَاتَهُ مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعًا «١» أَقْرَعَ «٢» لَهُ زَبِيبَتَانِ «٣» يُطَوِّقُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ يَأْخُذُ بِلِهْزِمَتَيْهِ «٤» ثُمَّ يَقُولُ أَنَا مَالُكَ أَنَا كَنْزُكَ- ثُمَّ تَلَا هَذِهِ الْآيَةَ-" وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ" الْآيَةَ. أَخْرَجَهُ النَّسَائِيُّ «٥». وَخَرَّجَهُ ابْنُ مَاجَهْ عَنِ ابْنِ مَسْعُودٍ عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ قال: (مَا مِنْ أَحَدٍ لَا يُؤَدِّي زَكَاةَ مَالِهِ إِلَّا مُثِّلَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ أَقْرَعُ حَتَّى يُطَوَّقَ بِهِ فِي عُنُقِهِ) ثُمَّ قَرَأَ عَلَيْنَا النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ مِصْدَاقَهُ مِنْ كِتَابِ اللَّهِ تَعَالَى:" وَلا يَحْسَبَنَّ الَّذِينَ يَبْخَلُونَ بِما آتاهُمُ اللَّهُ مِنْ فَضْلِهِ" الْآيَةَ. وَجَاءَ عَنْهُ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَنَّهُ قَالَ: (مَا مِنْ ذِي رَحِمٍ يَأْتِي ذَا رَحِمَهُ فَيَسْأَلُهُ مِنْ فَضْلِ مَا عِنْدَهُ فَيَبْخَلُ بِهِ عَلَيْهِ إِلَّا أُخْرِجَ لَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ شُجَاعٌ مِنَ النَّارِ يَتَلَمَّظُ «٦» حَتَّى يُطَوِّقَهُ). وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ أَيْضًا: إِنَّمَا نَزَلَتْ فِي أَهْلِ الْكِتَابِ وَبُخْلِهِمْ بِبَيَانِ مَا عَلِمُوهُ مِنْ أَمْرِ مُحَمَّدٍ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ. وَقَالَ ذَلِكَ مُجَاهِدٌ وَجَمَاعَةٌ مِنْ أَهْلِ الْعِلْمِ. وَمَعْنَى" سَيُطَوَّقُونَ" عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ سَيَحْمِلُونَ عِقَابَ مَا بَخِلُوا بِهِ، فَهُوَ مِنَ الطَّاقَةِ كَمَا قَالَ تَعَالَى:" وَعَلَى الَّذِينَ يُطِيقُونَهُ"


(١). الشجاع (بالضم): الحية الذكر، أو الذي يقوم على ذنبه ويواثب الراجل والفارس.
(٢). الأقرع: هو الذي تمرط جلد رأسه، لكثرة سمه وطول عمره.
(٣). الزبيتان: النكتنان السوداوان فوق عينيه، وهو أوحش ما يكون من الحيات وأخبثه. وقيل: هما زيدتان في شدقي الحية.
(٤). اللهزمتان: شدقاه. وقيل:: هما عظمان ناتئان في اللحيين تحت الأذنين.
(٥). هذه رواية البخاري عن أبى هريرة ولفظه. أما ما خرجه النسائي فبلفظ آخر عن ابن مسعود. راجع صحيح البخاري وسنن النسائي في باب الزكاة.
(٦). تلظت الحية: أخرجت لسانها كتلمظ الأكل.