للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الثَّالِثَةُ- وَدَلَّتِ الْآيَةُ عَلَى جَوَازِ الْحَجْرِ عَلَى السَّفِيهِ، لِأَمْرِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ بِذَلِكَ فِي قَوْلِهِ: (وَلا تُؤْتُوا السُّفَهاءَ أَمْوالَكُمُ) وَقَالَ (فَإِنْ كانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهاً أَوْ ضَعِيفاً «١»). فَأَثْبَتَ الْوِلَايَةَ عَلَى السَّفِيهِ كَمَا أَثْبَتَهَا عَلَى الضَّعِيفِ. وَكَانَ مَعْنَى الضَّعِيفِ رَاجِعًا إِلَى الصَّغِيرِ، وَمَعْنَى السَّفِيهِ إِلَى الْكَبِيرِ الْبَالِغِ، لِأَنَّ السَّفَهَ اسْمُ ذَمٍّ وَلَا يُذَمُّ الْإِنْسَانُ عَلَى مَا لَمْ يَكْتَسِبْهُ «٢»، وَالْقَلَمُ مَرْفُوعٌ عَنْ غَيْرِ الْبَالِغِ، فَالذَّمُّ وَالْحَرَجُ مَنْفِيَّانِ عَنْهُ، قَالَهُ الْخَطَّابِيُّ. الرَّابِعَةُ- وَاخْتَلَفَ الْعُلَمَاءُ فِي أَفْعَالِ السَّفِيهِ قَبْلَ الْحَجْرِ عَلَيْهِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَجَمِيعُ أَصْحَابِهِ غَيْرَ ابْنِ الْقَاسِمِ: إِنَّ فِعْلَ السَّفِيهِ وَأَمْرَهُ كُلَّهُ جَائِزٌ حَتَّى يَضْرِبَ الْإِمَامُ عَلَى يَدِهِ. وَهُوَ قَوْلُ الشَّافِعِيِّ وَأَبِي يُوسُفَ. وَقَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: أَفْعَالُهُ غَيْرُ جَائِزَةٍ وَإِنْ لَمْ يَضْرِبْ عَلَيْهِ الْإِمَامُ. وَقَالَ أَصْبَغُ: إِنْ كَانَ ظَاهِرَ السَّفَهِ فَأَفْعَالُهُ مَرْدُودَةٌ، وَإِنْ كَانَ غَيْرَ ظَاهِرِ السَّفَهِ فَلَا تُرَدُّ أَفْعَالُهُ حَتَّى يَحْجُرَ عَلَيْهِ الْإِمَامُ. وَاحْتَجَّ سُحْنُونٌ لِقَوْلِ مَالِكٍ بِأَنْ قَالَ: لَوْ كَانَتْ أَفْعَالُ السَّفِيهِ مَرْدُودَةً قَبْلَ الْحَجْرِ مَا احْتَاجَ السُّلْطَانُ أَنْ يَحْجُرَ عَلَى أَحَدٍ. وَحُجَّةُ ابْنِ الْقَاسِمِ مَا رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ أَنَّ رَجُلًا أَعْتَقَ عَبْدًا لَيْسَ لَهُ مَالٌ غَيْرُهُ فَرَدَّهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَلَمْ يَكُنْ حَجَرَ عَلَيْهِ قَبْلَ ذَلِكَ. الْخَامِسَةُ- وَاخْتَلَفُوا فِي الْحَجْرِ عَلَى الْكَبِيرِ، فَقَالَ مَالِكٌ وَجُمْهُورُ الْفُقَهَاءِ: يُحْجَرُ عَلَيْهِ. وَقَالَ أَبُو حَنِيفَةَ: لَا يُحْجَرُ عَلَى مَنْ بَلَغَ عَاقِلًا إِلَّا أَنْ يَكُونَ مُفْسِدًا لِمَالِهِ، فَإِذَا كَانَ كَذَلِكَ مُنِعَ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ إِلَيْهِ حَتَّى يَبْلُغَ خَمْسًا وَعِشْرِينَ سَنَةً، فَإِذَا بَلَغَهَا سُلِّمَ إِلَيْهِ بِكُلِّ حَالٍ، سَوَاءً كَانَ مُفْسِدًا أَوْ غَيْرَ مُفْسِدٍ، لِأَنَّهُ يُحْبَلُ مِنْهُ لِاثْنَتَيْ عَشْرَةَ سَنَةً، ثُمَّ يُولَدُ لَهُ لِسِتَّةِ أَشْهُرٍ فَيَصِيرُ جَدًّا [وأبا «٣»]، وأنا أستحي أَنْ أَحْجُرَ عَلَى مَنْ يَصْلُحُ أَنْ يَكُونَ جَدًّا. وَقِيلَ عَنْهُ: إِنَّ فِي مُدَّةِ الْمَنْعِ مِنَ الْمَالِ إِذَا بَلَغَ مُفْسِدًا يَنْفُذُ تَصَرُّفُهُ عَلَى الْإِطْلَاقِ، وَإِنَّمَا يُمْنَعُ مِنْ تَسْلِيمِ الْمَالِ احْتِيَاطًا. وَهَذَا كُلُّهُ ضَعِيفٌ فِي النَّظَرِ وَالْأَثَرِ. وَقَدْ رَوَى الدَّارَقُطْنِيُّ: حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ أَحْمَدَ بْنِ الْحَسَنِ الصَّوَّافُ أَخْبَرَنَا حَامِدُ بْنُ شُعَيْبٍ أَخْبَرَنَا شُرَيْحُ بْنُ يُونُسَ أَخْبَرَنَا يَعْقُوبُ بْنُ إِبْرَاهِيمَ- هُوَ أَبُو يُوسُفَ الْقَاضِي- أَخْبَرَنَا هِشَامُ بْنُ عُرْوَةَ عَنْ أَبِيهِ أَنَّ عَبْدَ اللَّهِ بْنَ جَعْفَرٍ أَتَى الزُّبَيْرَ فَقَالَ: إِنِّي اشْتَرَيْتُ


(١). راجع ج ٣ ص ٣٨٥.
(٢). من ز.
(٣). من ز.