للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَبِالْجُمْلَةِ فَالْقَوْلُ فِيهِ مُشْكِلٌ وَالْعِلْمُ عِنْدَ اللَّهِ، وَلَكِنَّ الْعَمَلَ عَلَيْهِ، وَالِاحْتِيَاطَ فِي التَّحْرِيمِ أَوْلَى، مَعَ أَنَّ قَوْلَهُ تَعَالَى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ) يُقَوِّي قَوْلَ الْمُخَالِفِ. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (وَأَخَواتُكُمْ مِنَ الرَّضاعَةِ) وَهِيَ الْأُخْتُ لِأَبٍ وَأُمٍّ، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمُّكَ بِلِبَانِ أَبِيكَ، سَوَاءً أَرْضَعَتْهَا مَعَكَ أَوْ وُلِدَتْ قَبْلَكَ أَوْ بَعْدَكَ. وَالْأُخْتُ مِنَ الْأَبِ دُونَ الْأُمِّ، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا زَوْجَةُ أَبِيكَ. وَالْأُخْتُ مِنَ الْأُمِّ دُونَ الْأَبِ، وَهِيَ الَّتِي أَرْضَعَتْهَا أُمُّكَ بِلِبَانِ رَجُلٍ آخَرَ. ثُمَّ ذَكَرَ التَّحْرِيمَ بِالْمُصَاهَرَةِ فَقَالَ تَعَالَى: (وَأُمَّهاتُ نِسائِكُمْ) وَالصِّهْرُ أَرْبَعٌ: أُمُّ الْمَرْأَةِ وَابْنَتُهَا وَزَوْجَةُ الْأَبِ وَزَوْجَةُ الِابْنِ. فَأُمُّ الْمَرْأَةِ تَحْرُمُ بِمُجَرَّدِ الْعَقْدِ الصَّحِيحِ عَلَى ابْنَتِهَا عَلَى مَا تَقَدَّمَ التَّاسِعَةُ- قَوْلَهُ تَعَالَى: (وَرَبائِبُكُمُ اللَّاتِي فِي حُجُورِكُمْ مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) هَذَا مُسْتَقِلٌّ بِنَفْسِهِ. وَلَا يَرْجِعُ قَوْلُهُ: (مِنْ نِسائِكُمُ اللَّاتِي دَخَلْتُمْ بِهِنَّ) إِلَى الْفَرِيقِ الْأَوَّلِ، بَلْ هُوَ رَاجِعٌ إِلَى الرَّبَائِبِ، إِذْ هُوَ أَقْرَبُ مَذْكُورٍ كَمَا تَقَدَّمَ. وَالرَّبِيبَةُ: بِنْتُ امْرَأَةِ الرَّجُلِ مِنْ غَيْرِهِ، سُمِّيَتْ بِذَلِكَ لِأَنَّهُ يُرَبِّيهَا فِي حِجْرِهِ فَهِيَ مَرْبُوبَةٌ، فَعِيلَةٌ بِمَعْنَى مَفْعُولَةٍ. وَاتَّفَقَ الْفُقَهَاءُ عَلَى أَنَّ الرَّبِيبَةَ تَحْرُمُ عَلَى زَوْجِ أُمِّهَا إِذَا دَخَلَ بِالْأُمِّ، وَإِنْ لَمْ تَكُنِ الرَّبِيبَةُ فِي حِجْرِهِ. وَشَذَّ بَعْضُ الْمُتَقَدِّمِينَ وَأَهْلُ الظَّاهِرِ فَقَالُوا: لَا تَحْرُمُ عَلَيْهِ الرَّبِيبَةُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ فِي حِجْرِ الْمُتَزَوِّجِ بِأُمِّهَا، فَلَوْ كَانَتْ فِي بَلَدٍ آخَرَ وَفَارَقَ الْأُمَّ بَعْدَ الدُّخُولِ فَلَهُ أَنْ يَتَزَوَّجَ بِهَا، وَاحْتَجُّوا بِالْآيَةِ فَقَالُوا: حَرَّمَ اللَّهُ تَعَالَى الرَّبِيبَةَ بِشَرْطَيْنِ: أَحَدُهُمَا: أَنْ تَكُونَ فِي حِجْرِ الْمُتَزَوِّجِ بِأُمِّهَا. وَالثَّانِي- الدُّخُولُ بِالْأُمِّ، فَإِذَا عُدِمَ أَحَدُ الشَّرْطَيْنِ لَمْ يُوجَدِ التَّحْرِيمُ. وَاحْتَجُّوا بِقَوْلِهِ عَلَيْهِ السَّلَامُ: (لَوْ لَمْ تَكُنْ رَبِيبَتِي فِي حِجْرِي مَا حَلَّتْ لِي إِنَّهَا ابْنَةُ أَخِي مِنَ الرَّضَاعَةِ) فَشَرَطَ الْحِجْرَ. وَرَوَوْا عَنْ عَلِيِّ بْنِ أَبِي طَالِبٍ إِجَازَةَ ذَلِكَ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ وَالطَّحَاوِيُّ: أَمَّا الْحَدِيثُ عَنْ عَلِيٍّ فَلَا يَثْبُتُ، لِأَنَّ رَاوِيَهُ إِبْرَاهِيمُ بْنُ عُبَيْدٍ عَنْ مَالِكِ بْنِ أوس عن علي، وإبراهيم هذا يُعْرَفُ، وَأَكْثَرُ أَهْلِ الْعِلْمِ قَدْ تَلَقَّوْهُ بِالدَّفْعِ وَالْخِلَافِ. قَالَ أَبُو عُبَيْدٍ: وَيَدْفَعُهُ قَوْلُهُ: (فَلَا تَعْرِضَنَّ عَلَيَّ بَنَاتِكُنَّ وَلَا أَخَوَاتِكُنَّ) فَعَمَّ. وَلَمْ يَقُلِ: اللَّائِي فِي حِجْرِي، وَلَكِنَّهُ سَوَّى

بَيْنَهُنَّ فِي التَّحْرِيمِ. قَالَ الطَّحَاوِيُّ: وَإِضَافَتُهُنَّ إِلَى الْحُجُورِ إِنَّمَا ذَلِكَ عَلَى الْأَغْلَبِ مِمَّا يَكُونُ عَلَيْهِ الرَّبَائِبُ، لَا أَنَّهُنَّ لَا يَحْرُمْنَ إِذَا لَمْ يكن كذلك.