للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَفِي سَمَاعِ ابْنِ الْقَاسِمِ: سُئِلَ مَالِكٌ عَنْ ابْنَتَيِ الْعَمِّ أَيُجْمَعُ بَيْنَهُمَا؟ فَقَالَ: مَا أَعْلَمُهُ حَرَامًا. قِيلَ لَهُ: أَفَتَكْرَهُهُ؟ قَالَ: إِنَّ نَاسًا لَيَتَّقُونَهُ، قَالَ ابْنُ الْقَاسِمِ: وَهُوَ حَلَالٌ لَا بَأْسَ بِهِ. قَالَ ابْنُ الْمُنْذِرِ: لَا أَعْلَمَ أَحَدًا أَبْطَلَ هَذَا النِّكَاحَ. وَهُمَا دَاخِلَتَانِ فِي جُمْلَةِ مَا أُبِيحَ بِالنِّكَاحِ غَيْرَ خَارِجَتَيْنِ مِنْهُ بِكِتَابٍ وَلَا سُنَّةٍ وَلَا إِجْمَاعٍ، وَكَذَلِكَ الْجَمْعُ بَيْنَ ابْنَتَيْ عَمَّةٍ وَابْنَتَيْ خَالَةٍ. وَقَالَ السُّدِّيُّ فِي قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَراءَ ذلِكُمْ): يَعْنِي النِّكَاحَ فِيمَا دُونَ الْفَرْجِ. وَقِيلَ: الْمَعْنَى وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَوَاتِ الْمَحَارِمِ مِنْ أَقْرِبَائِكُمْ. قَتَادَةُ: يَعْنِي بِذَلِكَ مِلْكَ الْيَمِينِ خَاصَّةً. السَّادِسَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (أَنْ تَبْتَغُوا بِأَمْوالِكُمْ) لَفْظٌ يَجْمَعُ «١» التَّزَوُّجَ وَالشِّرَاءَ. وَ (أَنْ) فِي مَوْضِعِ نَصْبٍ بَدَلٌ مِنْ (مَا)، وَعَلَى قِرَاءَةِ حَمْزَةَ فِي مَوْضِعِ رَفْعٍ، وَيَحْتَمِلُ أَنْ يَكُونَ الْمَعْنَى لِأَنْ، أَوْ بِأَنْ، فَتُحْذَفُ اللَّامُ أَوِ الباء فيكون في موضع نصب. و (مُحْصِنِينَ) نُصِبَ عَلَى الْحَالِ، وَمَعْنَاهُ مُتَعَفِّفِينَ عَنِ الزِّنَى. (غَيْرَ مُسافِحِينَ) أَيْ غَيْرَ زَانِينَ. وَالسِّفَاحُ الزِّنَى، وَهُوَ مَأْخُوذٌ مِنْ سَفْحِ الْمَاءِ، أَيْ صَبُّهُ وَسَيَلَانُهُ، وَمِنْهُ قَوْلُ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ سَمِعَ الدِّفَافَ «٢» فِي عُرْسٍ: (هَذَا النِّكَاحُ لَا السِّفَاحُ وَلَا نِكَاحُ السِّرِّ). وَقَدْ قِيلَ: إِنَّ قَوْلَهُ (مُحْصِنِينَ غَيْرَ مُسافِحِينَ) يَحْتَمِلُ وَجْهَيْنِ: أَحَدُهُمَا- مَا ذَكَرْنَاهُ وَهُوَ الْإِحْصَانُ بِعَقْدِ النِّكَاحِ، تَقْدِيرُهُ اطْلُبُوا مَنَافِعَ الْبُضْعِ بِأَمْوَالِكُمْ عَلَى وَجْهِ النِّكَاحِ لَا عَلَى وَجْهِ السِّفَاحِ، فَيَكُونُ لِلْآيَةِ «٣» عَلَى هَذَا الْوَجْهِ عُمُومٌ. وَيَحْتَمِلُ أَنْ يُقَالَ: (مُحْصِنِينَ) أَيِ الْإِحْصَانُ صِفَةٌ لَهُنَّ، وَمَعْنَاهُ لِتَزَوَّجُوهُنَّ عَلَى شَرْطِ الْإِحْصَانِ فِيهِنَّ، وَالْوَجْهُ الْأَوَّلُ أَوْلَى، لِأَنَّهُ مَتَى أَمْكَنَ جَرْيُ الْآيَةِ عَلَى عُمُومِهَا وَالتَّعَلُّقِ بِمُقْتَضَاهَا فَهُوَ أَوْلَى، وَلِأَنَّ مُقْتَضَى الْوَجْهِ الثَّانِي أَنَّ الْمُسَافِحَاتِ لَا يَحِلُّ التَّزَوُّجُ بِهِنَّ، وَذَلِكَ خِلَافُ الْإِجْمَاعِ. السَّابِعَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: (بِأَمْوالِكُمْ) أَبَاحَ اللَّهُ تَعَالَى الْفُرُوجَ بِالْأَمْوَالِ وَلَمْ يفصل، فَوَجَبَ إِذَا حَصَلَ بِغَيْرِ الْمَالِ أَلَّا تَقَعَ الْإِبَاحَةُ بِهِ، لِأَنَّهَا عَلَى غَيْرِ الشَّرْطِ الْمَأْذُونِ فِيهِ، كَمَا لَوْ عَقَدَ عَلَى خَمْرٍ أَوْ خِنْزِيرٍ أَوْ مَا لَا يَصِحُّ تَمَلُّكُهُ. وَيُرَدُّ عَلَى أَحْمَدَ قَوْلَهُ فِي أَنَّ الْعِتْقَ يَكُونُ صداقا، لأنه


(١). في ب: يعم.
(٢). كذا في الأصول الا ط: الزفاف. والدفاف صاحب الدف وجمع الدف الدفوف. في الحديث (فصل ما بين الحلال والحرام الصوت والدف).
(٣). في ج: للآية. وفى الأصول الأخرى: فتكون الآية على هذا الوجه عموم!