للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الْأَوَّلُونَ بِمَا ثَبَتَ مِنْ حَدِيثِ سَمُرَةَ بْنِ جُنْدَبٍ وَأَبِي بَرْزَةَ وَابْنِ عُمَرَ وَعَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرِو بْنِ الْعَاصِ وَأَبِي هُرَيْرَةَ وَحَكِيمِ بْنِ حِزَامٍ وَغَيْرِهِمْ عَنِ النَّبِيِّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ). رَوَاهُ أَيُّوبُ عَنْ نَافِعٍ عَنِ ابْنِ عُمَرَ، فَقَوْلُهُ عَلَيْهِ السَّلَامُ فِي هَذِهِ الرِّوَايَةِ: (أَوْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا لِصَاحِبِهِ اخْتَرْ) هُوَ مَعْنَى الرِّوَايَةِ الْأُخْرَى (إِلَّا بَيْعَ الْخِيَارِ) وَقَوْلُهُ: (إِلَّا أَنْ يَكُونَ بَيْعُهُمَا عَنْ خِيَارٍ) وَنَحْوِهِ. أَيْ يَقُولُ أَحَدُهُمَا بَعْدَ تَمَامِ الْبَيْعِ لِصَاحِبِهِ: اخْتَرْ إِنْفَاذَ الْبَيْعِ أَوْ فَسْخَهُ، فَإِنِ اخْتَارَ إِمْضَاءَ الْبَيْعِ تَمَّ الْبَيْعُ بينها وَإِنْ لَمْ يَتَفَرَّقَا. وَكَانَ ابْنُ عُمَرَ وَهُوَ رَاوِي الْحَدِيثِ إِذَا بَايَعَ أَحَدًا وَأَحَبَّ أَنْ يُنْفِذَ الْبَيْعَ مَشَى قَلِيلًا ثُمَّ رَجَعَ. وَفِي الْأُصُولِ: إِنَّ مَنْ رَوَى حَدِيثًا فَهُوَ أَعْلَمُ بِتَأْوِيلِهِ، لَا سِيَّمَا الصَّحَابَةُ إِذْ هُمْ أَعْلَمُ بِالْمَقَالِ وَأَقْعَدُ بِالْحَالِ. وَرَوَى أَبُو دَاوُدَ وَالدَّارَقُطْنِيُّ عن أبي الوضي «١» قَالَ: كُنَّا فِي سَفَرٍ فِي عَسْكَرٍ فَأَتَى رَجُلٌ مَعَهُ فَرَسٌ فَقَالَ لَهُ رَجُلٌ مِنَّا: أَتَبِيعُ هَذَا الْفَرَسَ بِهَذَا الْغُلَامِ؟ قَالَ: نَعَمْ، فَبَاعَهُ ثُمَّ بَاتَ مَعَنَا، فَلَمَّا أَصْبَحَ قَامَ إلى فرسه، فقال له صاحبنا: مالك وَالْفَرَسُ! أَلَيْسَ قَدْ بِعْتَنِيهَا؟ فَقَالَ: مَا لِي في هذا البيع من حاجة. فقال: مالك ذَلِكَ، لَقَدْ بِعْتَنِي. فَقَالَ لَهُمَا الْقَوْمُ: هَذَا أَبُو بَرْزَةَ صَاحِبُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأْتِيَاهُ، فَقَالَ لَهُمَا: أَتَرْضَيَانِ بِقَضَاءِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ؟ فَقَالَا: نَعَمْ. فَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (الْبَيِّعَانِ بِالْخِيَارِ مَا لَمْ يَتَفَرَّقَا) وَإِنِّي لَا أَرَاكُمَا افْتَرَقْتُمَا. فَهَذَانَ صَحَابِيَّانِ قَدْ عَلِمَا مَخْرَجَ الْحَدِيثِ وَعَمِلَا بِمُقْتَضَاهُ، بَلْ هَذَا كَانَ عَمَلَ الصَّحَابَةِ. قَالَ سَالِمٌ قَالَ ابْنُ عُمَرَ: كُنَّا إِذَا تَبَايَعْنَا كَانَ كُلُّ وَاحِدٍ منا بالخيار ما لم يفرق الْمُتَبَايِعَانِ. قَالَ: فَتَبَايَعْتُ أَنَا وَعُثْمَانُ فَبِعْتُهُ مَالِي بِالْوَادِي بِمَالٍ لَهُ بِخَيْبَرَ، قَالَ: فَلَمَّا بِعْتُهُ طَفِقْتُ أَنْكُصُ الْقَهْقَرَى، خَشْيَةَ أَنْ يُرَادَّنِي عُثْمَانُ الْبَيْعَ قَبْلَ أَنْ أُفَارِقَهُ. أَخْرَجَهُ الدَّارَقُطْنِيُّ ثُمَّ قَالَ: إِنَّ أَهْلَ اللُّغَةِ فَرَّقُوا بَيْنَ فَرَقْتُ مُخَفَّفًا وَفَرَّقْتُ مُثَقَّلًا، فَجَعَلُوهُ بِالتَّخْفِيفِ فِي الْكَلَامِ وبالتثقيل في الأبدان. قال أحمد ابن يَحْيَى ثَعْلَبٌ: أَخْبَرَنِي ابْنُ الْأَعْرَابِيِّ عَنِ الْمُفَضَّلِ قَالَ: يُقَالُ فَرَقْتُ بَيْنَ الْكَلَامَيْنِ مُخَفَّفًا فَافْتَرَقَا وفرقت بين اثنين مشدد افترقا، فَجَعَلَ الِافْتِرَاقَ فِي الْقَوْلِ، وَالتَّفَرُّقَ فِي الْأَبْدَانِ.


(١). أبو الوضي. (بفتح الواو وكسر المعجمة المخففة مهموز): عباد بن نسيب. (عن التهذيب).