للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وَضَاجِعُوهُنَّ لِلْجِمَاعِ وَغَيْرِهِ، قَالَ مَعْنَاهُ سُفْيَانُ، وَرُوِيَ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ. وَقِيلَ: أَيْ شُدُّوهُنَّ وَثَاقًا فِي بُيُوتِهِنَّ، مِنْ قَوْلِهِمْ: هَجَرَ الْبَعِيرَ أَيْ رَبَطَهُ بِالْهِجَارِ، وَهُوَ حَبْلٌ يُشَدُّ بِهِ الْبَعِيرُ، وَهُوَ اخْتِيَارُ الطَّبَرِيِّ وَقَدَحَ فِي سَائِرِ الْأَقْوَالِ. وَفِي كَلَامِهِ فِي هَذَا الْمَوْضِعِ نَظَرٌ. وَقَدْ رَدَّ عَلَيْهِ الْقَاضِي أَبُو بَكْرِ بْنُ الْعَرَبِيِّ فِي أَحْكَامِهِ فَقَالَ: يَا لَهَا مِنْ هَفْوَةٍ مِنْ عَالِمٍ بِالْقُرْآنِ وَالسُّنَّةِ! وَالَّذِي حَمَلَهُ عَلَى هَذَا التَّأْوِيلِ حَدِيثٌ غَرِيبٌ رَوَاهُ ابْنُ وَهْبٍ عَنْ مَالِكٍ أَنَّ أَسْمَاءَ بِنْتَ أَبِي بَكْرٍ الصِّدِّيقِ امْرَأَةَ الزُّبَيْرِ بْنِ الْعَوَّامِ كَانَتْ تَخْرُجُ حَتَّى عُوتِبَ فِي ذَلِكَ. قَالَ: وَعَتَبَ عَلَيْهَا وَعَلَى ضَرَّتِهَا، فَعَقَدَ شَعْرَ وَاحِدَةٍ بِالْأُخْرَى ثُمَّ ضَرَبَهُمَا ضَرْبًا شَدِيدًا، وَكَانَتِ الضَّرَّةُ أَحْسَنَ اتِّقَاءً، وَكَانَتْ أَسْمَاءُ لَا تَتَّقِي فَكَانَ الضَّرْبُ بِهَا أَكْثَرَ، فَشَكَتْ إِلَى أَبِيهَا أَبِي بَكْرٍ رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ فَقَالَ لَهَا: أَيْ بُنَيَّةُ اصْبِرِي فَإِنَّ الزُّبَيْرَ رَجُلٌ صَالِحٌ، وَلَعَلَّهُ أَنْ يَكُونَ زَوْجَكِ فِي الْجَنَّةِ، وَلَقَدْ بَلَغَنِي أَنَّ الرَّجُلَ إِذَا ابْتَكَرَ بِامْرَأَةٍ تَزَوَّجَهَا فِي الْجَنَّةِ. فَرَأَى الرَّبْطَ وَالْعَقْدَ مَعَ احْتِمَالِ اللَّفْظِ مَعَ فِعْلِ الزُّبَيْرِ فَأَقْدَمَ عَلَى هَذَا التَّفْسِيرِ. وَهَذَا الْهَجْرُ غَايَتُهُ عِنْدَ الْعُلَمَاءِ شَهْرٌ، كَمَا فَعَلَ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ حِينَ أَسَرَّ إِلَى حَفْصَةَ فَأَفْشَتْهُ إِلَى عَائِشَةَ، وَتَظَاهَرَتَا عَلَيْهِ. وَلَا يَبْلُغُ بِهِ الْأَرْبَعَةُ الْأَشْهُرُ الَّتِي ضَرَبَ اللَّهُ أَجَلًا عُذْرًا لِلْمَوْلَى. الثَّامِنَةُ- قَوْلُهُ تَعَالَى: وَاضْرِبُوهُنَّ أَمَرَ اللَّهُ أَنْ يَبْدَأَ النِّسَاءُ بِالْمَوْعِظَةِ أَوَّلًا ثم بالهجران، فإن لم ينجعا فَالضَّرْبُ، فَإِنَّهُ هُوَ الَّذِي يُصْلِحُهَا لَهُ وَيَحْمِلُهَا عَلَى تَوْفِيَةِ حَقِّهِ. وَالضَّرْبُ فِي هَذِهِ الْآيَةِ هُوَ ضَرْبُ الْأَدَبِ غَيْرُ الْمُبَرِّحِ، وَهُوَ الَّذِي لَا يَكْسِرُ عَظْمًا وَلَا يَشِينُ جَارِحَةً كَاللَّكْزَةِ وَنَحْوِهَا، فَإِنَّ الْمَقْصُودَ مِنْهُ الصَّلَاحُ لَا غَيْرَ. فَلَا جَرَمَ إِذَا أَدَّى إِلَى الْهَلَاكِ وَجَبَ الضَّمَانُ، وَكَذَلِكَ الْقَوْلُ فِي ضَرْبِ الْمُؤَدِّبِ غُلَامَهُ لِتَعْلِيمِ الْقُرْآنِ وَالْأَدَبِ. وَفِي صَحِيحِ مُسْلِمٍ: (اتَّقُوا اللَّهَ فِي النِّسَاءِ فَإِنَّكُمْ أَخَذْتُمُوهُنَّ بِأَمَانَةِ اللَّهِ وَاسْتَحْلَلْتُمْ فُرُوجَهُنَّ بِكَلِمَةِ اللَّهِ وَلَكُمْ عَلَيْهِنَّ أَلَّا يُوطِئْنَ فُرُشَكُمْ أَحَدًا تَكْرَهُونَهُ فَإِنْ فَعَلْنَ فَاضْرِبُوهُنَّ ضَرْبًا غَيْرَ مُبَرِّحٍ) الْحَدِيثَ. أَخْرَجَهُ مِنْ حَدِيثِ جَابِرٍ الطَّوِيلِ فِي الْحَجِّ، أَيْ لَا يُدْخِلْنَ مَنَازِلَكُمْ أَحَدًا مِمَّنْ تَكْرَهُونَهُ مِنَ الْأَقَارِبِ وَالنِّسَاءِ الْأَجَانِبِ «١». وَعَلَى هَذَا يُحْمَلُ مَا رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَصَحَّحَهُ عَنْ عَمْرِو بْنِ الْأَحْوَصِ أَنَّهُ شَهِدَ حجة


(١). في اوح وز: والأجانب.