للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

فِي سُورَةِ (الْحَشْرِ) عِنْدَ قَوْلِهِ تَعَالَى: (وَما آتاكُمُ الرَّسُولُ فَخُذُوهُ وَما نَهاكُمْ عَنْهُ فَانْتَهُوا «١»). وَقَالَ ابْنُ كَيْسَانَ: هُمْ أُولُو الْعَقْلِ وَالرَّأْيِ الَّذِينَ يُدَبِّرُونَ أَمْرَ النَّاسِ. قُلْتُ: وَأَصَحُّ هَذِهِ الْأَقْوَالِ الْأَوَّلُ وَالثَّانِي، أَمَّا الْأَوَّلُ فَلِأَنَّ أَصْلَ الام مِنْهُمْ وَالْحُكْمَ إِلَيْهِمْ. وَرَوَى الصَّحِيحَانِ عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ قَالَ: نَزَلَ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ) فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسِ بْنِ عَدِيٍّ السَّهْمِيِّ إِذْ بَعَثَهُ النَّبِيُّ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي سَرِيَّةٍ. قَالَ أَبُو عُمَرَ: وَكَانَ فِي عَبْدِ اللَّهِ بْنِ حُذَافَةَ دُعَابَةٌ مَعْرُوفَةٌ، وَمِنْ دُعَابَتِهِ أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أَمَّرَهُ عَلَى سَرِيَّةٍ فَأَمَرَهُمْ أَنْ يَجْمَعُوا حَطَبًا وَيُوقِدُوا نَارًا، فَلَمَّا أَوْقَدُوهَا أَمَرَهُمْ بِالتَّقَحُّمِ فِيهَا، فَقَالَ لَهُمْ: أَلَمْ يَأْمُرْكُمْ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بِطَاعَتِي؟! وَقَالَ: (مَنْ أَطَاعَ أَمِيرِي فَقَدْ أَطَاعَنِي). فَقَالُوا: مَا آمَنَّا بِاللَّهِ وَاتَّبَعْنَا رَسُولَهُ إِلَّا لِنَنْجُوَ مِنَ النَّارِ! فَصَوَّبَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِعْلَهُمْ وَقَالَ: (لَا طَاعَةَ لِمَخْلُوقٍ فِي مَعْصِيَةِ الْخَالِقِ قَالَ اللَّهُ تَعَالَى:) وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ «٢» (. وَهُوَ حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ مَشْهُورٌ. وَرَوَى مُحَمَّدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ عَلْقَمَةَ عَنْ عُمَرَ بْنِ الْحَكَمِ «٣» بْنِ ثَوْبَانَ أَنَّ أَبَا سَعِيدٍ الْخُدْرِيَّ قَالَ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حُذَافَةَ بْنِ قَيْسٍ السَّهْمِيُّ مِنْ أَصْحَابِ بَدْرٍ وَكَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ. وَذَكَرَ الزُّبَيْرُ قَالَ: حَدَّثَنِي عَبْدُ الْجَبَّارِ بْنُ سَعِيدٍ عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ وَهْبٍ عَنِ اللَّيْثِ بْنِ سَعْدٍ قَالَ: بَلَغَنِي أَنَّهُ حَلَّ حِزَامَ رَاحِلَةِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، حَتَّى كَادَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقَعُ. قَالَ ابْنُ وَهْبٍ: فَقُلْتُ لِلَّيْثِ لِيُضْحِكَهُ؟ قَالَ: نَعَمْ كَانَتْ فِيهِ دُعَابَةٌ. قَالَ مَيْمُونُ بْنُ مِهْرَانَ وَمُقَاتِلٌ وَالْكَلْبِيُّ: (أُولُوا الْأَمْرِ) أَصْحَابُ السَّرَايَا. وَأَمَّا الْقَوْلُ الثَّانِي فَيَدُلُّ عَلَى صِحَّتِهِ قَوْلُهُ تَعَالَى: (فَإِنْ تَنازَعْتُمْ فِي شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ). فَأَمَرَ تَعَالَى بِرَدِّ الْمُتَنَازَعِ فِيهِ إِلَى كِتَابِ اللَّهِ وَسُنَّةِ نَبِيِّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ، وَلَيْسَ لِغَيْرِ الْعُلَمَاءِ مَعْرِفَةَ كَيْفِيَّةِ الرَّدِّ إِلَى الْكِتَابِ وَالسُّنَّةِ، وَيَدُلُّ هَذَا عَلَى صِحَّةِ كَوْنِ سُؤَالِ الْعُلَمَاءِ وَاجِبًا، وَامْتِثَالِ فَتْوَاهُمْ

لَازِمًا. قَالَ سَهْلُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ رَحِمَهُ اللَّهُ: لَا يَزَالُ النَّاسُ بِخَيْرٍ مَا عَظَّمُوا السُّلْطَانَ وَالْعُلَمَاءَ، فَإِذَا عَظَّمُوا هَذَيْنَ أَصْلَحَ اللَّهُ دُنْيَاهُمْ وَأُخْرَاهُمْ، وَإِذَا اسْتَخَفُّوا بهذين أفسد دنياهم


(١). راجع ج ١٨ ص ١٠ فما بعدها.
(٢). تقدم في ص ١٤٩.
(٣). عمر بن الحكم بن ثوبان أبو حفص المدني.